كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

شَاءَ اللَّهُ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ، وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَقَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ.
وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَالْفَتْوَى احْتِيَاطًا فِي أَمْرِ الْفُرُوجِ فِي زَمَنٍ غَلَبَ عَلَى النَّاسِ الْفَسَادُ انْتَهَى.
وَأَشَارَ بِصِحَّةِ الْمَشِيئَةِ فِي الطَّلَاقِ إلَى صِحَّتِهَا فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ صِيَغِ الْإِخْبَارِ، وَإِنْ كَانَتْ إنْشَاءَاتٍ شَرْعًا فَدَخَلَ الْبَيْعُ وَالِاعْتِكَافُ وَالْعِتْقُ وَالنَّذْرُ بِالصَّوْمِ، وَخَرَجَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فَلَوْ قَالَ اعْتِقُوا عَبْدِي مِنْ بَعْدِ مَوْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَكَذَا بِعْ عَبْدِي مِنْ بَعْدِ مَوْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَكَذَا بِعْ عَبْدِي هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَبِعْهُ، وَخَرَجَ مَا لَمْ يَخْتَصَّ بِاللِّسَانِ كَالنِّيَّةِ فَلَوْ قَالَ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ صَوْمُهُ.
وَأَشَارَ بِإِسْنَادِ الْمَشِيئَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إلَى كُلِّ مَنْ لَمْ يُوقَفُ لَهُ عَلَى مَشِيئَةٍ كَإِنْ شَاءَ الْجِنُّ أَوْ الْإِنْسُ أَوْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ الْحَائِطُ فَلَا يَقَعُ فِي الْكُلِّ فَخَرَجَ مَنْ يُوقَفُ لَهُ عَلَيْهَا كَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ فَهُوَ تَمْلِيكٌ لَهُ مُعْتَبَرٌ فِيهِ مَجْلِسُ عِلْمِهِ فَإِنْ شَاءَ فِيهِ طَلَقَتْ، وَإِلَّا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهِ، وَصُورَةُ مَشِيئَتِهِ أَنْ يَقُولَ شِئْت مَا جَعَلَهُ إلَيَّ فُلَانٌ، وَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ نِيَّةُ الطَّلَاقِ، وَلَا ذِكْرُهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَمَشِيئَةِ مَنْ يُوقَفُ عَلَى مَشِيئَتِهِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَشَاءَ زَيْدٌ فَلَا وُقُوعَ، وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَقَدَّمْنَا عَنْ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ حُكْمُ مَا إذَا قَالَ أَمْرُهَا بِيَدِ اللَّهِ وَبِيَدِك، وَأَشَارَ بِكَلِمَةِ إنْ إلَى مَا كَانَ بِمَعْنَاهَا فَدَخَلَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ إذَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَبِالْمَشِيئَةِ إلَى مَا كَانَ بِمَعْنَاهَا كَالْإِرَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا بِجَمِيعِ الْأَدَوَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ إنْ، وَالْبَاءِ فَخَرَجَ مَا لَمْ يَكُنْ بِمَعْنَاهَا كَأَمْرِهِ وَحُكْمِهِ وَإِرَادَتِهِ وَقَضَائِهِ وَإِذْنِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ لِلْحَالِ إنْ كَانَ بِالْبَاءِ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الْعَبْدِ، وَخَرَجَ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ بِاللَّامِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الْعَبْدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَقِيَ، وَأَضَافَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَّا فِي قَوْلِهِ طَالِقٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ، وَإِلَّا فِي قَوْلِهِ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ إنْ أَرَادَ بِالْقُدْرَةِ ضِدَّ الْعَجْزِ لِأَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى مَوْجُودَةٌ قَطْعًا كَالْعِلْمِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ، وَلَا يَعْلَمُ تَقْدِيرَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ أَتَى بِإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ أَتَى بِالْبَاءِ لَمْ يَقَعْ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَتَبَ قَبْلَهُ أَقُولُ: وَحَيْثُمَا وَقَعَ خِلَافٌ وَتَرْجِيحٌ لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ مَا عَدَاهَا لَيْسَ مَذْهَبًا لِأَصْحَابِنَا، وَأَيْضًا كَمَا غَلَبَ الْفَسَادُ فِي الرِّجَالِ غَلَبَ فِي النِّسَاءِ فَقَدْ تَكُونُ كَارِهَةً لَهُ فَتَطْلُبُ الْخَلَاصَ مِنْهُ فَتَفْتَرِي عَلَيْهِ فَيُفْتِي الْمُفْتِي بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الَّذِي هُوَ الْمَذْهَبُ، وَيُفَوِّضُ بَاطِنَ الْأَمْرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَتَأَمَّلْ وَأَنْصِفْ مِنْ نَفْسِك (قَوْلُهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ اعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ فِي مَا شَاءَ اللَّهُ مُسَلَّمٌ بِتَقْدِيرِ كَوْنِ مَا مَصْدَرِيَّةً ظَرْفِيَّةً لَا مَا إذَا قَدَّرْت مَوْصُولًا اسْمِيًّا أَيْ الَّذِي شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْوَاقِعِ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَلَا شَكَّ فِي أَنْتِ طَالِقٌ الْمَذْكُورِ هُنَا فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَلَكِنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ بِتَقْدِيرِ إرَادَةِ الْمِقْدَارِ الَّذِي شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَيْسَ بِمُتَعَيِّنٍ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ الطَّلَاقُ الَّذِي شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَشِيئَتُهُ لَا تُعْلَمُ فَلَمْ يَقَعْ إذْ الْعِصْمَةُ ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ.
(قَوْلُهُ إلَّا فِي قَوْلِهِ طَالِقٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّ فِي بِمَعْنَى الشَّرْطِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا بِمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ إلَّا فِي الْعِلْمِ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ لِلْمَعْلُومِ، وَهُوَ وَاقِعٌ، وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ تَعَالَى بِحَالٍ فَكَانَ تَعْلِيقًا بِأَمْرٍ مَوْجُودٍ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا، وَلَا يَلْزَمُهُ الْقُدْرَةُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا هُنَا التَّقْدِيرُ، وَقَدْ يُقَدِّرُ شَيْئًا، وَقَدْ لَا يُقَدِّرُهُ حَتَّى إذَا أَرَادَ حَقِيقَةَ قُدْرَتِهِ تَعَالَى يَقَعُ فِي الْحَالِ كَذَا فِي الْكَافِي، وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُرَادَ الْعِلْمُ عَلَى مَفْهُومِهِ، وَإِذَا كَانَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى أَنَّهَا طَالِقٌ فَهُوَ فَرْعُ تَحَقُّقِ طَلَاقِهَا، وَكَذَا نَقُولُ الْقُدْرَةُ عَلَى مَفْهُومِهَا، وَلَا يَقَعُ لِأَنَّ مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ إنَّ فِي قُدْرَتِهِ تَعَالَى وُقُوعُهُ، وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ سَبْقَ تَحَقُّقِهِ يُقَالُ لِلْفَاسِدِ الْحَالُ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ صَلَاحُهُ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِهِ فِي الْحَالِ، وَفِيهِ أَيْضًا أَيْ فِي الْكَافِي، وَإِنْ أَضَافَ إلَى الْعَبْدِ بِفِي كَانَ تَمْلِيكًا فِي الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ، وَمَا بِمَعْنَاهُ مِنْ الْهَوَى، وَالرُّؤْيَةِ تَعْلِيقًا فِي السِّتَّةِ الْأَوَاخِرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْجِيزِ بِقَوْلِهِ فِي عِلْمِ اللَّهِ يَأْتِي فِي قَوْلِهِ فِي إرَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ فَيَلْزَمُ الْوُقُوعُ بِخِلَافِ تَوْجِيهِنَا (قَوْلُهُ وَإِنْ أَتَى بِالْبَاءِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَعْنِي مَا إذَا لَمْ يُعَلِّقْ بِأَنَّ عَلَيَّ سِتِّينَ وَجْهًا، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْعَشَرَةِ إمَّا أَنْ يُضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْعَبْدِ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْبَاءِ أَوْ اللَّامِ أَوْ بِفِي اهـ.
وَإِذَا ضُرِبَتْ هَذِهِ السِّتُّونَ فِي الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ الْآتِيَةِ، وَهِيَ مَا إذَا تَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ أَوْ كَتَبَهَا أَوْ كَتَبَ الْأَوَّلَ فَقَطْ أَوْ بِالْعَكْسِ بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَبِضَمِّ إنْ إلَى الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ تَبْلُغُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَرُبَّمَا بَلَغَتْ أَضْعَافَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ

الصفحة 41