كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ، وَوَقَعَ فِي الْبَاقِي، وَإِنْ أَتَى بِفِي لَمْ يَقَعْ إلَّا فِي عَلِمَ اللَّهُ، وَإِنْ أَتَى بِاللَّامِ وَقَعَ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الْعَبْدِ كَانَ تَمْلِيكًا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى، وَهِيَ الْمَشِيئَةُ وَأَخَوَاتِهَا، وَمَا بِمَعْنَاهَا كَالْهُوِيَّةِ وَالرُّؤْيَةِ تَعْلِيقًا فِي السِّتَّةِ، وَهِيَ الْأَمْرُ، وَأَخَوَاتُهُ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَتَبَ الطَّلَاقَ، وَالِاسْتِثْنَاءَ أَوْ كَتَبَ الطَّلَاقَ، وَاسْتَثْنَى بِلِسَانِهِ أَوْ طَلَّقَ بِلِسَانِهِ، وَاسْتَثْنَى بِالْكِتَابَةِ يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
وَأَشَارَ بِإِنْ بِدُونِ الْوَاوِ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ، وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ.
وَلَوْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ صَحَّتْ الْمَشِيئَةُ، وَلَا تَطْلُقُ لِكَوْنِهِ إبْطَالًا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى أَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْمَجْمَعِ خِلَافًا فِيهِ فَقَالَ وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ يَجْعَلُهُ تَعْلِيقًا، وَهُمَا تَطْلِيقًا فَأَفَادَ أَنَّهُ يَقَعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِهِ تَعْلِيقًا عِنْدَهُ، وَالشَّرْطُ فِيهِ الْفَاءُ فِي الْجَوَابِ الْمُتَأَخِّرِ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ لَا يَتَعَلَّقُ فَيُنَجَّزُ، وَلَغَتْ الْمَشِيئَةُ، وَلَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ هَذَا مَا يَقْتَضِيه مَا فِي الْمَتْنِ، وَقَرَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَابْنُ الْهُمَامِ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ خَالَفَ شَارِحُ الْمَجْمَعِ فَنَسَبَ إلَى أَبِي يُوسُفَ الْقَائِلِ بِالتَّعْلِيقِ عَدَمَ الْوُقُوعِ، وَإِلَيْهِمَا الْوُقُوعَ نَظَرًا إلَى مَا نَقَلَهُ قَاضِي خَانْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ فِي الْجَوَابِ، وَيُصَدَّقُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُقُوعِ دِيَانَةً أَنَّهُ أَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَوْ أَجَابَ بِالْوَاوِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ إجْمَاعًا.
وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِذِكْرِ الْوَاوِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَتَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ إنْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا ثُمَّ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَنِثَ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعْلِيقِ لَا الْإِبْطَالِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّهُ عُزِيَ إلَيْهِ الْإِبْطَالُ فَتَحَصَّلَ عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ إبْطَالٌ اهـ.
فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ، وَفِيمَا إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ إنْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا ثُمَّ حَلَفَ مُسْتَثْنِيًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي الْأُولَى، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَصَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ أَيْ قَاضِي خَانْ عَزَا إلَيْهِ أَيْ إلَى أَبِي يُوسُفَ الْإِبْطَالَ سَهْوًا، وَإِنَّمَا عُزِيَ إلَيْهِ الْيَمِينُ، وَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقْدِيمِ الْمَشِيئَةِ أَوْ تَأْخِيرِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ إبْطَالًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ هُوَ عِلَّةٌ لِصِحَّةِ الْمَشِيئَةِ مَعَ تَقْدِيمِهَا، وَعَدَمِ الْإِيتَانِ بِالْفَاءِ، وَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَيْ عَلَى صِحَّةِ الْمَشِيئَةِ، وَعَدَمُ الطَّلَاقِ لَا عَلَى عَكْسِهِ الَّذِي هُوَ الْوُقُوعُ، وَعَدَمُ صِحَّتِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ) كَأَنَّهُ عَزَاهُ إلَى الْخَانِيَّةِ مُجَارَاةً لِصَاحِبِ الْفَتْحِ، وَإِلَّا فَسَيَذْكُرُ قَرِيبًا أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لَا إبْطَالٌ.
(قَوْلُهُ هَذَا مَا يَقْتَضِيه مَا فِي الْمَتْنِ) أَيْ مَتْنِ الْمَجْمَعِ قَالَ فِي النَّهْرِ يَأْبَاهُ قَوْلُهُ وَهُمَا تَطْلِيقًا إذْ مُقَابَلَةُ التَّعْلِيقِ بِالتَّطْلِيقِ تَقْتَضِي عَدَمَ الْوُقُوعِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْوُقُوعَ عَلَى الثَّانِي فَنِسْبَةُ صَاحِبِ الْفَتْحِ الْغَلَطَ إلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ غَلَطٌ فَاجْتَنِبْهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ وَاقِعٌ فِي الْمَتْنِ أَيْضًا اهـ. مُلَخَّصًا.
يَعْنِي: أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ عِبَارَةِ الْمَجْمَعِ هُوَ مَا ذَكَرَ شَارِحُهُ مِنْ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَعْلِيقٌ فَلَا يَقَعُ، وَعِنْدَهُمَا تَطْلِيقٌ فَيَقَعُ مُنَجَّزًا لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ بِسَبَبِ إسْقَاطِ الْفَاءَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ صَاحِبَ الْمَجْمَعِ حَيْثُ شَرَحَ مَتْنَهُ بِذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُرَادُهُ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ أَدْرَى، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ أَوَّلًا بِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَجْعَلُهُ تَعْلِيقًا لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لَمَّا اتَّصَلَ بِالْإِيجَابِ أَبْطَلَ حُكْمَهُ ثُمَّ قَالَ وَجَعَلَاهُ تَنْجِيزًا لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَفَى رَابِطُ الْجُمْلَتَيْنِ، وَهُوَ الْفَاءُ هُنَا بَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ مُنَجَّزًا إلَخْ، وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِنْ ذَكَرَ الطَّلَاقَ بِدُونِ حَرْفِ الْفَاءِ بِأَنْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَبِهِ نَأْخُذُ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ فِي الْقَضَاءِ، وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ، وَذَكَرَ الْخِلَافَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي الْقُدُورِيِّ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا تَطْلُقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَتَطْلُقُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. اهـ.
قُلْت: وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ قَبْلَ هَذَا فِي أَوَائِلِ بَابِ التَّعْلِيقِ عَكْسَ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا هَذِهِ، وَمِنْهَا لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْت طَالِقٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْجَزَاءِ لَا يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ إلَّا بِحُرُوفِ الْجَزَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْت طَالِقٌ يَكُونُ تَنْجِيزًا، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ لِأَنَّ عِنْدَهُ الِاسْتِثْنَاءُ إبْطَالٌ، وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ فَيَصِحُّ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ إلَخْ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ إلَخْ فَلَا مَعْنَى لِلرَّدِّ هُنَا فَكَانَ الْأَصْوَبُ أَنْ يَقُولَ لَمَّا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ

الصفحة 42