كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

بَأْسَ بِسَوْقِ عِبَارَتِهِ بِتَمَامِهَا قَالَ وَلَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَتَطْلُقُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمَقْرُونَ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي مَوْضِعٍ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ هَلْ يَكُونُ يَمِينًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ يَمِينًا حَتَّى لَوْ قَالَ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَعَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَتَّى يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ حَنِثَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَلَا يَحْنَثُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، وَعَبْدُهُ حُرٌّ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ جَمِيعًا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ اهـ.
فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَائِلٌ بِأَنَّهَا يَمِينٌ لَا إبْطَالٌ، وَإِنْ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعْلِيقِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقَ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ فِي الْجَزَاءِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَا أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَإِنَّ شَارِحَ الْمَجْمَعِ قَدْ غَلِطَ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ الْقَائِلَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِي الْأُولَى قَائِلٌ بِالْوُقُوعِ فِي الثَّانِيَةِ، وَأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لَا إبْطَالٌ، وَلَكِنْ فِيهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ الْوُقُوعُ عِنْدَ عَدَمِ الْفَاءِ لِعَدَمِ الرَّابِطِ، وَمِمَّا يَظْهَرُ فِيهِ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُنْت طَلَّقْتُك أَمْسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي هَذِهِ، وَفِيمَا إذَا أَخَّرَ الْجَوَابَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ أَوْ أَتَى بِالْوَاوِ، وَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ أَوْ تَعَقَّبَ جُمَلًا، وَقَيَّدَ بِمَوْتِهَا لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ يُرِيدُهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَتُعْلَمُ إرَادَتُهُ بِأَنْ ذَكَرَ لِآخَرَ قَصْدَهُ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِالطَّلَاقِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَوْتِهَا وَمَوْتِهِ أَنَّ بِالِاسْتِثْنَاءِ خَرَجَ الْكَلَامُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إيجَابًا، وَالْمَوْتُ يُنَافِي الْمُوجِبَ دُونَ الْمُبْطِلِ بِخِلَافِ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الِاسْتِثْنَاءُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْت طَالِقٌ فَالِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ، وَيَقَعُ الثَّانِي عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا عِنْدَهُ، وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْت طَالِقٌ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ فِي الْحَالِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَالِحٌ لِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ اتِّفَاقًا، وَلِتَعْلِيقِ الْأَخِيرِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْفَاءُ فِيهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ، وَأَخَّرَ الْجَزَاءَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِلِاسْتِثْنَاءِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّا لَوْ أَوْقَعْنَاهُ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَاءَ لِأَنَّ الْوُقُوعَ دَلِيلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَائِلٌ بِأَنَّهَا يَمِينٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِبْطَالِ الْمُقَابِلِ لِلتَّعْلِيقِ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ فَقَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ إلَّا أَنَّهُ عَزَى إلَيْهِ الْإِبْطَالَ أَيْ الْمُومِي إلَيْهِ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ لَا خُصُوصُ هَذَا اللَّفْظِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ فَجَزَمَ بِأَنَّهُ سَهْوٌ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَخْرُجَ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعْلِيقِ إذْ لَا يُعْرَفُ ثُبُوتُهُ مَعَ عَدَمِ الرَّابِطِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى الْإِبْطَالِ فَعَلَيْك أَبَدًا بِالتَّدَبُّرِ فِي كَلَامِ هَذَا الْإِمَامِ مَخَافَةَ أَنْ تَزِلَّ بِك الْأَقْدَامُ، وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الثَّانِي مِنْ الْحِنْثِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَحْلِفُ مُخَرَّجٌ عَلَى التَّعْلِيقِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا نَسَبَهُ إلَيْهِ، وَمَا فِيهَا أَيْضًا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَالِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ، وَيَقَعُ الثَّانِي، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَكَذَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْت طَالِقٌ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ فِي الْحَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَعْنِي التَّعْلِيقَ وَالْإِبْطَالَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ الْأُولَى، وَتَوَهَّمَ فِي الْبَحْرِ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ لَهُ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُوجَدَ التَّعْلِيقُ مَعَ عَدَمِ الرَّابِطِ، وَلَا يَقَعُ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ، وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الْوَاقِعُ.
(قَوْلُهُ وَلَكِنْ فِيهِ إشْكَالٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ جَوَابُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إعْدَامُ الْحُكْمِ لَا التَّعْلِيقِ، وَفِي الْإِعْدَامِ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَرْفِ الْجَزَاءِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّعْلِيقُ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا، وَقَدْ فَرَّقَ بِذَلِكَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي الْفَصْلِ الثَّلَاثِينَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت، وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ قَاضِي خَانْ مِنْ قَوْلِهِ لِكَوْنِهِ إبْطَالًا صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ أَيْضًا. اهـ.
وَعَلَى هَذَا فَالْإِبْطَالُ مُرَادِفٌ لِلتَّعْبِيرِ بِالتَّعْلِيقِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ إبْطَالُ الْإِيجَابِ السَّابِقِ لِكَوْنِهِ تَعْلِيقًا عَلَى غَيْرِ مَعْلُومِ الثُّبُوتِ، وَبِهِ يَصِحُّ مَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ نِسْبَةِ الْإِبْطَالِ إلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ زُفَرَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا مِنْ كَلَامِهِ لَا مِنْ كَلَامِ الْبَزَّازِيِّ، وَلَا دَلَالَةَ لَهُ فِيمَا اسْتَدَلَّ لِأَنَّهُ فِيمَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى جَزَاءٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْتِ طَالِقٌ، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا، وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ لِلْمُتَأَمِّلِ ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ النَّهْرِ أَتَى بِمِثْلِ مَا ذَكَرْته فَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ

الصفحة 43