كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَقَعُ، وَفِي قَوْلِهِ إنْ شِئْتُمَا لَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا بِأَلْفٍ فَقَالَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلَّقْت نَفْسِي وَصَاحِبَتِي بِأَلْفٍ مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا بَانَتَا بِأَلْفٍ، وَيَقْسِمُ عَلَى مَهْرَيْهِمَا، وَلَمْ يَرِثْ، وَلَوْ طَلَقَتْ إحْدَاهُمَا طَلَقَتْ بِحِصَّتِهَا مِنْ الْأَلْفِ، وَإِنْ قَامَتَا مِنْ الْمَجْلِسِ بَطَلَ الْأَمْرُ. اهـ. مُخْتَصَرٌ.

(قَوْلُهُ وَفِي طَلِّقْنِي رَجْعِيَّةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ حَقِّهَا، وَأَرَادَ مِنْ ذِكْرِ الرَّجْعِيَّةِ نَفْيَ سُؤَالِهَا الْبَائِنَ فَدَخَلَ مَا لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي، وَلَمْ تَزِدْ عَلَيْهِ فَطَلَّقَهَا بَائِنًا فَإِنَّهَا تَرِثُ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الرَّجْعِيِّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَكَذَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ فِي الْوَكَالَةِ وَالتَّفْوِيضِ وَالْإِنْشَاءِ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ حَقِّهَا، وَالْمُرَادُ بِالثَّلَاثِ الْبَائِنُ فَدَخَلَ مَا لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً أَيْضًا، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا سَأَلَتْهُ وَاحِدَةً بَائِنَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَظَاهِرُ الْمُحِيطِ أَنَّهَا تَرِثُ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهَا سَأَلَتْهُ فِي الْوَاحِدَةِ، وَقَدْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا انْتَهَى، وَلَمْ يُعَلِّلْ بِالرَّجْعِيِّ، وَإِنَّمَا عَلَّلَ بِالْوَاحِدَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا مِيرَاثَ لَهَا لِرِضَاهَا بِالْبَائِنِ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا فِي مَرَضِهِ أَوْ تَصَادَقَا عَلَيْهَا فِي الصِّحَّةِ، وَمَضَى الْعِدَّةُ فَأَقَرَّ أَوْ أَوْصَى لَهَا فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْهَا، وَمِنْ إرْثِهَا) أَيْ لَهَا الْأَقَلُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُقَرِّ بِهِ، وَالْمُوصَى بِهِ، وَمِنْ إرْثِهَا مِنْهُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهِيَ سَبَبُ التُّهْمَةِ، وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ التُّهْمَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ قَالَ الْإِمَامُ بِبَقَاءِ التُّهْمَةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَخْتَارُ الطَّلَاقَ لِيَنْفَتِحَ بَابُ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ فَيَزِيدُ حَقُّهَا وَالزَّوْجَانِ قَدْ يَتَوَاضَعَانِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْفُرْقَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَهَذِهِ التُّهْمَةُ فِي الزِّيَادَةِ فَرَدَدْنَاهَا، وَلَا تُهْمَةَ فِي قَدْرِ الْمِيرَاثِ فَصَحَّحْنَاهُ، وَهُمَا قَالَا فِي الثَّانِيَةِ بِنَفْيِ التُّهْمَةِ لِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً لِعَدَمِ الْعِدَّةِ بِدَلِيلِ قَبُولِ شَهَادَتِهِ لَهَا، وَجَوَازِ وَضْعِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَتَزَوُّجِهَا بِزَوْجٍ آخَرَ، وَأَجَابَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُ لَا مُوَاضَعَةَ عَادَةً فِي حَقِّ الزَّكَاةِ وَالشَّهَادَةِ وَالتَّزَوُّجِ فَلَا تُهْمَةَ هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَرَّرَهُ الشَّارِحُونَ مِنْ غَيْرِ تَعَقُّبٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ مُنْذُ زَمَانٍ، وَصَدَّقَتْهُ أَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا هُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا وَشَهَادَتُهُ لَهَا وَتَزَوُّجُهَا وَهُوَ خِلَافُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْعِدَّةِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَلَا تَزَوُّجُهُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا أَيْضًا فَحِينَئِذٍ ظَهَرَتْ التُّهْمَةُ فِي إقْرَارِهِ وَوَصِيَّتِهِ.
وَانْدَفَعَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ فِي غَايَتِهِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَحْكِيمُ الْحَالِ فَإِنْ كَانَ جَرَى بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ، وَتَرَكَتْ خِدْمَتَهُ فِي مَرَضِهِ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُوَاضَعَةِ فَلَا تُهْمَةَ، وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ لِلتُّهْمَةِ، وَقَدْ رَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِوَجْهٍ آخَرَ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْخُصُومَةِ لَيْسَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ فَدَخَلَ مَا لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي، وَلَمْ تَزِدْ عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَالَتْ لَهُ فِي مَرَضِهِ طَلِّقْنِي فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَمَاتَ فِي الْعِدَّةِ تَرِثُهُ إذْ صَارَ مُبْتَدِئًا فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهَا فِي الْإِرْثِ كَقَوْلِهَا طَلِّقْنِي رَجْعِيًّا فَأَبَانَهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا مِيرَاثَ لَهَا لِرِضَاهَا بِالْبَائِنِ) هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ سَابِقًا، وَإِنْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي النَّهْرِ لَكِنْ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْمَذْكُورُ آنِفًا يُفِيدُ أَنَّهَا تَرِثُ لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِقَوْلِهِ إذْ صَارَ مُبْتَدِئًا أَيْ أَوْقَعَ شَيْئًا لَمْ تَطْلُبْهُ فَكَأَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ ابْتِدَاءً بِدُونِ طَلَبٍ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَانْدَفَعَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ إلَخْ) أَيْ آخِذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ الْآتِيَةِ قَرِيبًا عَنْ الذَّخِيرَةِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَقَدْ رَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِوَجْهٍ آخَرَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ اعْتِزَالَهَا عَنْهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي هُوَ زَمَانٌ لِلرَّحْمَةِ، وَالشَّفَقَةِ ظَاهِرٌ أَيْضًا فِي خُصُومَتِهِ، وَالْإِيصَاءُ لَهَا بِالْأَكْثَرِ قَدْ يَكُونُ طَمَعًا فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ، وَتَذْكِيرًا بِسَبْقِ مَوَدَّتِهِ، وَقَدْ قَرَّرَ فِي الْعِدَّةِ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَمَشَايِخِنَا يَعْنِي مَشَايِخَ بُخَارَى سَمَرْقَنْدَ يُفْتُونَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ وَالْمُوَاضَعَةِ اهـ.
يَعْنِي: فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لَهَا بِالدَّيْنِ أَوْ لِيَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا، وَإِذَا كَانَ مُخَالَفَةُ هَذَا الْحُكْمِ بِهَذِهِ التُّهْمَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّى بِهِ مَحَالَّ التُّهْمَةِ، وَالنَّاسَ الَّذِينَ هُمْ مَظَانُّهَا، وَلِذَا فَصَّلَ السُّغْدِيُّ حَيْثُ قَالَ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مِنْ ابْتِدَائِهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي أُسْنِدَ الطَّلَاقُ إلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ فَالْكَذِبُ فِي كَلَامِهِ ظَاهِرٌ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي الْإِسْنَادِ. اهـ.
وَهَذَا كَمَا تَرَى ظَاهِرٌ فِي تَحْكِيمِ الْحَالِ، وَإِذَا ثَبَتَ التُّهْمَةُ، وَكَانَ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ، وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لَهَا أَيْضًا قُلْت وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ إنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِاتِّهَامِ الزَّوْجَيْنِ بِالْمُوَاضَعَةِ.
أَمَّا الَّذِينَ اعْتَبَرُوهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ تَظْهَرْ تُهْمَةٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي تَصْحِيحِ الشَّيْخِ قَاسِمٍ حَيْثُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَشَايِخُنَا يُفْتُونَ

الصفحة 49