كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

ظَاهِرَةً إذْ الْإِيصَاءُ لَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ الْمِيرَاثِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ تِلْكَ الْخُصُومَةَ لَيْسَتْ عَلَى حَقِيقَتِهَا كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْحِيَلِ لِلْأَغْرَاضِ انْتَهَى، وَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا سَهْوُ الشُّمُنِّيِّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا بُدَّ مِنْ تَحْكِيمِ الْحَالِ فَإِنْ كَانَ حَالَ خُصُومَةٍ وَغَضَبٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِهَذَا الْإِقْرَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَقَعُ انْتَهَى فَإِنَّ صَاحِبَ الذَّخِيرَةِ إنَّمَا ذَكَرَ تَحْكِيمَ الْحَالِ فِيمَا إذَا قَالَتْ لَك امْرَأَةٌ غَيْرِي أَوَتَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ فَإِنَّهُ قَالَ قِيلَ الْأَوْلَى تَحْكِيمُ الْحَالِ إنْ كَانَ قَدْ جَرَى بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ وَخُصُومَةٌ تَدُلُّ عَلَى غَضَبِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَقَعُ انْتَهَى فَقَاسَ السُّرُوجِيُّ مَسْأَلَتَنَا هُنَا عَلَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الطَّلَاقَ الصَّرِيحَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي الْخُصُومَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَصْلًا فَكَيْفَ تُنْسَبُ إلَيْهِ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَةَ إذَا اخْتَلَعَتْ بِمَهْرِهَا الَّذِي عَلَى الزَّوْجِ، وَلَمْ يَكُنْ قَرِيبًا لَهَا فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الْمُسَمَّى فِي بَدَلِ الْخُلْعِ، وَإِلَى ثُلُثِ مَالِهَا إنْ مَاتَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِلَى الْمُسَمَّى فِي بَدَلِ الْخُلْعِ، وَإِلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِ مِنْهَا إنْ مَاتَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَكُونُ لَهُ الْأَقَلُّ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْخُلْعِ.
وَأَشَارَ إلَى أَنَّ مَا تَأْخُذُهُ مِنْهُ لَهُ شَبَهٌ بِالدَّيْنِ، وَشَبَهٌ بِالْمِيرَاثِ فَلِلْأَوَّلِ لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ عَيْنِ التَّرِكَةِ لَيْسَ عَلَى الْوَرَثَةِ ذَلِكَ بَلْ لَهُمْ أَنْ يُعْطُوهَا مِنْ مَالٍ آخَرَ اعْتِبَارًا لِزَعْمِهَا أَنَّ مَا تَأْخُذُهُ دَيْنٌ، وَلِلثَّانِي لَوْ هَلَكَ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَى الْكُلِّ، وَلَوْ طَلَبَتْ أَنْ تَأْخُذَهُ دَنَانِيرَ، وَالتَّرِكَةُ عُرُوضٌ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، وَفِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ عِدَّتُهَا لَمْ تَنْقَضِ أَمَّا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا جَمِيعُ مَا أَقَرَّ لَهَا بِهِ أَوْ أَوْصَى انْتَهَى، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِهِ قَدْ كُنْت أَبَنْتُك فِي صِحَّتِي أَوْ جَامَعْت أُمَّ امْرَأَتِي أَوْ بِنْتَ امْرَأَتِي أَوْ تَزَوَّجْتهَا بِلَا شُهُودٍ أَوْ بَيْنَنَا رَضَاعٌ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ تَزَوَّجْتُك فِي الْعِدَّةِ، وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ بَانَتْ مِنْهُ، وَتَرِثُهُ لَا لَوْ صَدَّقَتْهُ انْتَهَى، وَفِيهِ ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا الْمَرِيضِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَجَحَدَ، وَحَلَّفَهُ الْقَاضِي فَحَلَفَ ثُمَّ صَدَّقَتْهُ، وَمَاتَ تَرِثُهُ لَوْ صَدَّقَتْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لَا لَوْ بَعْدَهُ انْتَهَى، وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّ حَرْفَ مِنْ فِي قَوْلِهِ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْهُ، وَمِنْ الْإِرْثِ لَيْسَ صِلَةً لِأَفْعَلْ التَّفْضِيلِ إذْ لَوْ كَانَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ أَقَلَّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حَرْفُ مِنْ لِلْبَيَانِ، وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ اُسْتُعْمِلَ بِاللَّامِ فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ أَوْ مِنْ الْإِرْثِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ الْأَقَلُّ بَيَّنَهُ بِأَحَدِهِمَا، وَصِلَةُ الْأَقَلِّ مَحْذُوفَةٌ، وَهِيَ مِنْ الْآخَرِ أَيْ فَلَهَا أَحَدُهُمَا الَّذِي هُوَ أَقَلُّ مِنْ الْآخَرِ فَتَكُونُ الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ أَوْ تَكُونُ الْوَاوُ عَلَى مَعْنَاهَا لَكِنْ لَا يُرَادُ بِهَا الْمَجْمُوعُ بَلْ الْأَقَلُّ الَّذِي هُوَ الْإِرْثُ تَارَةً، وَالْمُوصَى بِهِ أُخْرَى فَتَكُونُ الْوَاوُ لِلْجَمْعِ، وَهُوَ أَنَّ الْأَقَلِّيَّةَ ثَابِتَةٌ لَكِنْ بِحَسَبِ زَمَانَيْنِ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ وَمَنْ بَارَزَ رَجُلًا أَوْ قَدَّمَ لِيُقْتَلَ بِقَوَدٍ أَوْ رَجْمٍ فَأَبَانَهَا وَرِثَتْ إنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ) بَيَانٌ لِحُكْمِ الصَّحِيحِ الْمُلْحَقِ بِالْمَرِيضِ هُنَا، وَهُوَ مَنْ كَانَ غَالِبُ حَالِهِ الْهَلَاكَ كَمَا فِي النُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ غَالِبًا عَلَى أَنَّ الْغَلَبَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْخَوْفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَاقِعُ غَلَبَةَ الْهَلَاكِ، وَأَنَّ فِي الْمُبَارَزَةِ لَا يَكُونُ الْهَلَاكُ غَالِبًا إلَّا أَنْ يَبْرُزَ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَقْرَانِهِ بِخِلَافِ غَلَبَةِ خَوْفِ الْهَلَاكِ، وَدَخَلَ تَحْتَهُ مَنْ كَانَ رَاكِبَ السَّفِينَةِ إذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الطَّلَاقِ بِأَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ يَعْنِي أَنَّ مَشَايِخَ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ يُفْتُونَ بِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِطَلَاقٍ سَابِقٍ، وَصَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ، وَهُمَا مِنْ مَظَانِّ التُّهْمَةِ لَا يُصَدَّقَانِ فِي الْإِسْنَادِ، وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَلَا نَفَقَةَ، وَلَا سُكْنَى لِلزَّوْجَةِ لِتَصْدِيقِهَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ السُّغْدِيُّ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي أُسْنِدَ الطَّلَاقُ إلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ فَالْكَذِبُ فِي كَلَامِهِمَا ظَاهِرٌ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي الْإِسْنَادِ اهـ.
كَلَامُ الشَّيْخِ قَاسِمٍ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُفْتِي بِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ حَتَّى يَحْكُمَ الْحَالُ فَإِنْ رَأَى الْمُفْتِي التُّهْمَةَ ظَاهِرَةً أَفْتَى بِالثَّانِي، وَإِلَّا أَفْتَى بِالْأَوَّلِ، وَهَذَا مَا قَالَهُ السُّرُوجِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَحْكِيمُ الْحَالِ نَعَمْ مَا ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ مِنْ شَهَادَةِ الْخُصُومَةِ بِقَصْدِ التُّهْمَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَلِذَا بَحَثَ مَعَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْإِفْتَاءَ بِكَوْنِ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ حَيْثُ ظَهَرَتْ التُّهْمَةُ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْوَصِيَّةِ لِكَيْ لَا تَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهَا، وَلَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ فِي حَقِّ سَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَلِذَا لَمْ تَجِبْ لَهَا نَفَقَةٌ، وَلَا سُكْنَى، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَكَذَا يُعْتَبَرُ وُجُوبُهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ كَالشَّهَادَةِ وَدَفْعِ الزَّكَاةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ التَّصْرِيحِ سَابِقًا بِأَنَّهُ لَا عَادَةَ فِي الْمُوَاضَعَةِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ غَلَبَةِ خَوْفِ الْهَلَاكِ) أَيْ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي الْمُبَارَزَةِ لِمَنْ هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ فَلِذَا كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ مَنْ يُخَافُ

الصفحة 50