كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

انْكَسَرَتْ، وَبَقِيَ عَلَى لَوْحٍ أَوْ افْتَرَسَهُ السَّبُعُ، وَبَقِيَ فِي فَمِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَقَدْ يُوهِمُ أَنَّ الِانْكِسَارَ شُرِطَ لِكَوْنِهِ فَارًّا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ فَإِنْ تَلَاطَمَتْ الْأَمْوَاجُ، وَخِيفَ الْغَرَقُ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ، وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَيَّدَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِأَنْ يَمُوتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْجِ أَمَّا لَوْ سَكَنَ ثُمَّ مَاتَ لَا تَرِثُ انْتَهَى، وَالْحَامِلُ لَا تَكُونُ فَارَّةً إلَّا فِي حَالِ الطَّلْقِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الطَّلْقِ فَقِيلَ الْوَجَعُ الَّذِي لَا يَسْكُنُ حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَلِدَ وَقِيلَ وَإِنْ سَكَنَ لِأَنَّ الْوَجَعَ يَسْكُنُ تَارَةً وَيَهِيجُ أُخْرَى، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ. اهـ.
وَالْمَسْلُولُ وَالْمَفْلُوجُ، وَالْمُقْعَدُ مَا دَامَ يَزْدَادُ مَا بِهِ فَهُوَ غَالِبُ الْهَلَاكِ، وَإِلَّا فَكَالصَّحِيحِ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِيهِ أَقْوَالًا فَنَقَلَ أَوَّلًا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا فَهُوَ كَمَرِيضٍ، وَلَوْ قَدِيمًا فَكَصَحِيحٍ.
وَثَانِيًا لَوْ لَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ بِتَدَاوٍ فَكَصَحِيحٍ، وَإِلَّا فَكَمَرِيضٍ، وَثَالِثًا لَوْ طَالَ، وَصَارَ بِحَالٍ لَا يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ فَكَصَحِيحٍ، وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ التَّطَاوُلِ فَقِيلَ سَنَةٌ، وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرُوا الْعُرْفَ فَمَا يُعِدُّهُ تَطَاوُلًا فَتَطَاوُلٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَرَابِعًا إنْ لَمْ يَصِرْ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَصَحِيحٌ، وَإِلَّا فَمَرِيضٌ، وَخَامِسًا لَوْ يَزْدَادُ كُلَّ يَوْمٍ فَهُوَ مَرِيضٌ، وَلَوْ يَنْتَقِصُ مَرَّةً، وَيَزْدَادُ أُخْرَى فَلَوْ مَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ فَكَصَحِيحٍ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ سَنَةٍ فَكَمَرِيضٍ. اهـ.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ إلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ بَعْدَمَا قُدِّمَ لِلْقَتْلِ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ أَوْ حُبِسَ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ تَرِثُهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ فِرَارُهُ بِذَلِكَ الطَّلَاقِ ثُمَّ تَرَتَّبَ مَوْتُهُ فَلَا يُبَالِي بِكَوْنِهِ بِغَيْرِهِ كَالْمَرِيضِ إذَا طَلَّقَ ثُمَّ قُتِلَ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا فِي حَالِ فُشُوِّ الطَّاعُونِ فَهَلْ يَكُونُ لِكُلٍّ مِنْ الْأَصِحَّاءِ حُكْمُ الْمَرَضِ فَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَلَمْ أَرَهُ لِمَشَايِخِنَا. اهـ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ مَنْ لَهُ حُكْمُ الْمَرِيضِ لَوْ طَلَّقَهَا، وَمَاتَ فِي الْعِدَّةِ تَرِثُهُ مَاتَ بِهَذِهِ الْجِهَةِ أَوْ بِجِهَةٍ أُخْرَى، وَلِذَا قَالَ الْأَصْلُ مَرِيضٌ صَاحِبُ الْفِرَاشِ لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ قَتَلَ تَرِثُهُ طَعَنَ فِيهِ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فَقَالَ لَا تَرِثُهُ إذْ مَرَضُ الْمَوْتِ مَا هُوَ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَكِنَّا نَقُولُ قَدْ اتَّصَلَ الْمَوْتُ بِمَرَضِهِ حِينَ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ، وَقَدْ يَكُونُ لِلْمَوْتِ سَبَبَانِ فَلَا يَتَبَيَّنُ بِهَذَا أَنَّ مَرَضَهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ مَوْتِهِ، وَأَنَّ حَقَّهَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي مَالِهِ. اهـ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ بَرَزَ الشَّيْءُ بُرُوزًا مِنْ بَابِ قَعَدَ ظَهَرَ، وَبَارَزَ فِي الْحَرْبِ مُبَارَزَةً وَبِرَازًا فَهُوَ مُبَارِزٌ اهـ، وَفِيهِ وَالسِّلُّ بِالْكَسْرِ مَرَضٌ مَعْرُوفٌ، وَأَسَلَّهُ اللَّهُ بِالْأَلِفِ أَمْرَضَهُ بِذَلِكَ فَسُلَّ هُوَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَهُوَ مَسْلُولٌ مِنْ النَّوَادِرِ، وَلَا يَكَادُ صَاحِبُهُ يَبْرَأُ مِنْهُ، وَفِي كُتُبِ الطِّبِّ إنَّهُ مِنْ أَمْرَاضِ الشَّبَابِ لِكَثْرَةِ الدَّمِ فِيهِمْ، وَهُوَ قُرُوحٌ تَحْدُثُ فِي الرِّئَةِ. اهـ.
وَفِيهِ وَالْفَالِجُ مَرَضٌ يَحْدُثُ فِي أَحَدِ شِقَّيْ الْبَدَنِ طُولًا فَيُبْطِلُ إحْسَاسَهُ وَحَرَكَتَهُ، وَرُبَّمَا كَانَ فِي الشِّقَّيْنِ، وَيَحْدُثُ بَغْتَةً إلَى آخِرِهِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ مَحْصُورًا أَوْ فِي صَفِّ الْقِتَالِ لَا) أَيْ لَا تَرِثُ لِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ خَوْفُ الْهَلَاكِ، وَكَذَا رَاكِبُ السَّفِينَةِ قَبْلَ خَوْفِ الْغَرَقِ، وَالْحَامِلُ قَبْلَ الطَّلْقِ، وَالْمَحْصُورُ الْمَمْنُوعُ سَوَاءٌ كَانَ فِي حِصْنٍ أَوْ حَبْسٍ لِقَتْلٍ أَوْ رَجْمٍ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَذَا مَنْ نَزَلَ بِمَسْبَعَةٍ أَوْ مُخِيفٍ مِنْ عَدُوٍّ، وَفِي الْمِصْبَاحِ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ حَصْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ أَحَاطُوا بِهِ، وَمَنَعُوهُ مِنْ الْمُضِيِّ لِأَمْرِهِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ، وَالتَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي مَرَضِهِ أَوْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَهُمَا فِي مَرَضِهِ أَوْ الشَّرْطُ فَقَطْ أَوْ بِفِعْلِهَا، وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ، وَهُمَا فِي الْمَرَضِ أَوْ الشَّرْطِ وَرِثَتْ، وَفِي غَيْرِهَا لَا) لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي مَرَضِهِ وَجْهَ الْقَصْدِ إلَى الْفِرَارِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ الْهَلَاكُ غَالِبًا، وَكَذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ وَمَنْ بَارَزَ رَجُلًا إذْ لَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ كَوْنَ الْهَلَاكِ غَالِبًا لَقَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ أَقْوَى مِنْهُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَيِّدَ الْمُبَارِزَ بِكَوْنِهِ أَقْوَى مِنْهُ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي التَّنْوِيرِ نَعَمْ ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَيَّدَ بِهِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ غَلَبَةِ الْهَلَاكِ (قَوْلُهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إنْ مَاتَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي قَوْلِهِ إنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ عَلَيْهِ دُونَ أَنْ يَقُولَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ دَلَالَةَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ بِهَذَا السَّبَبِ أَوْ سَبَبٍ آخَرَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْأَصْلِ مَرِيضٌ صَاحِبُ فِرَاشٍ أَبَانَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَتَلَ وَرَثَتَهُ، وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ تَلَاطُمَ الْأَمْوَاجِ قَيَّدَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنْ يَمُوتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْجِ أَمَّا لَوْ سَكَنَ ثُمَّ مَاتَ لَا تَرِثُ مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَمُتْ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قُدِّمَ لِلْقَتْلِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ ثُمَّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ فَإِنَّهُ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ اهـ.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَوْ قُتِلَ بَعْدَمَا خُلِّيَ سَبِيلُهُ لَمْ يَمُتْ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ فَإِنَّ الْوَجْهَ الْمُشَارَ إلَيْهِ هُوَ كَوْنُهُ قُدِّمَ لِلْقَتْلِ، وَهُوَ حَالَةُ غَلَبَةِ الْهَلَاكِ، وَبَعْدَمَا خُلِّيَ سَبِيلُهُ زَالَتْ تِلْكَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا سَكَنَ الْمَوْجُ ثُمَّ مَاتَ، وَلَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ تَبِعَا فِيهِ فَتْحَ الْقَدِيرِ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ أُعِيدَ الْمُخْرَجُ لِلْقَتْلِ إلَى الْحَبْسِ أَوْ رَجَعَ الْمُبَارِزُ

الصفحة 51