كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

عَنْ الْمِيرَاثِ فِي حَالِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ، وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ السَّابِقَ يَصِيرُ تَطْلِيقًا عِنْدَ الشَّرْطِ حُكْمًا لَا قَصْدًا، وَلَا ظُلْمَ إلَّا عَنْ قَصْدٍ فَلَا يُرَدُّ تَصَرُّفُهُ، وَالْمُرَادُ مِنْ الطَّلَاقِ فِي قَوْلِهِ عَلَّقَ طَلَاقَهَا الْبَائِنَ لِأَنَّ حُكْمَ الْفِرَارِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِ، وَأَطْلَقَ فِي فِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ كَدُخُولِ الدَّارِ أَوَّلًا كَصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ، وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَلِوُجُودِ قَصْدِ الْإِبْطَالِ إمَّا بِالتَّعْلِيقِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فِي الْمَرَضِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ لَهُ بُدٌّ مِنْهُ أَوْ لَا فَإِنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ فِعْلِ الشَّرْطِ فَلَهُ مِنْ التَّعْلِيقِ أَلْفُ بُدٍّ فَيُرَدُّ تَصَرُّفُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، وَشَمِلَ مَا إذَا فَوَّضَ طَلَاقَهَا لِرَجُلٍ فِي صِحَّتِهِ فَطَلَّقَهَا الْأَجْنَبِيُّ فِي الْمَرَضِ، وَكَانَ يَقْدِرُ الزَّوْجُ عَلَى عَزْلِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمْكَنَهُ عَزَلَهُ فِي الْمَرَضِ، وَلَمْ يَفْعَلْ صَارَ كَأَنَّهُ أَنْشَأَ التَّوْكِيلَ فِي الْمَرَضِ، وَدَخَلَ فِي الْأَوَّلِ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ عَزْلُهُ، وَدَخَلَ فِي التَّعْلِيقِ بِفِعْلِهِ مَا إذَا قَالَ فِي صِحَّتِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَمْ يَأْتِهَا حَتَّى مَاتَ وَرِثَتْهُ، وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ، وَبَقِيَ الزَّوْجُ وَرِثَهَا لِأَنَّهَا مَاتَتْ، وَهِيَ زَوْجَتُهُ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُعَلِّقَ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِفِعْلِهَا أَوْ بِفِعْلِهِ، وَكُلٌّ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ أَوْ كَانَا فِي الْمَرَضِ فَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ لَا يَكُونُ فَارًّا إلَّا إذَا كَانَ فِي الْمَرَضِ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ فَارًّا حَيْثُ يَكُونُ الشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهَا فَقَطْ فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ لَا يُمْكِنُهَا تَرْكُهُ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهَا تَرْكُهُ لَا يَكُونُ فَارًّا، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْت طَالِقٌ فَلَمْ يُطَلِّقْهَا حَتَّى مَاتَ وَرِثَتْهُ، وَلَوْ مَاتَتْ هِيَ، وَبَقِيَ الزَّوْجُ لَمْ يَرِثْهَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ وَرِثَتْهُ، وَلَوْ مَاتَتْ هِيَ، وَبَقِيَ الزَّوْجُ لَمْ يَرِثْهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ فِي صِحَّتِهِ إنْ شِئْت أَنَا وَفُلَانٌ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ مَرِضَ فَشَاءَ الزَّوْجُ وَالْأَجْنَبِيُّ الطَّلَاقَ مَعًا أَوْ شَاءَ الزَّوْجُ ثُمَّ الْأَجْنَبِيُّ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ لَا تَرِثُ، وَإِنْ شَاءَ الْأَجْنَبِيُّ أَوَّلًا ثُمَّ الزَّوْجُ وَرِثَتْ. اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ عَلَى مَشِيئَتِهِمَا فَإِذَا شَاءَا مَعًا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ تَمَامَ الْعِلَّةِ فَلَا يَكُونُ فَارًّا بِخِلَافِ مَا إذَا تَأَخَّرَتْ مَشِيئَةُ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَمَّتْ الْعِلَّةُ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ، وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ وَالْفِعْلِ مِمَّا لَهَا بُدٌّ مِنْهُ كَكَلَامِ زَيْدٍ لَمْ تَرِثْ لِرِضَاهَا، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ طَبْعًا كَالْأَكْلِ أَوْ شَرْعًا كَصَلَاةِ الظُّهْرِ فَلَهَا الْمِيرَاثُ لِاضْطِرَارِهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ مُطْلَقًا لِفَوَاتِ الصُّنْعِ مِنْهُ فِي مَرَضِهِ، وَعِنْدَهُمَا تَرِثُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ، وَصَحَّحُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ فَصَحَّ فَمَاتَ أَوْ أَبَانَهَا فَارْتَدَّتْ فَأَسْلَمَتْ فَمَاتَ لَمْ تَرِثْ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَرَضُ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ مَرَضَ الْمَوْتِ فَإِذَا صَحَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ قَبْلَ هَذَا إنْ كَانَ بِهِ حُمَّى رِبْعٍ فَزَالَتْ ثُمَّ صَارَ بِهِ حُمَّى غِبٍّ أَمَّا إذَا كَانَ بِهِ حُمَّى رِبْعٍ فَزَالَتْ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ فَإِنَّ الثَّانِيَةَ تُجْعَلُ عَيْنَ الْأُولَى، وَيَكُونُ لَهَا الْمِيرَاثُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا لَمَّا زَالَتْ لَمْ يَبْقَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِمَالِهِ. اهـ.
وَفِي قَانُونْ شَاهْ فِي الطِّبِّ وَأَمَّا حُمَّى السَّوْدَاوِيَّةِ خَارِجَ الْعُرُوقِ، وَدَاخِلَهَا فَهِيَ حُمَّى الرِّبْعِ فَيَجِبُ أَنْ يُرَاعَى فِيهَا حِفْظُ الْقُوَّةِ، وَأَمَّا حُمَّى الْغِبِّ بِكَسْرِ الْغَيْنِ فَفِي الْمِصْبَاحِ هِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمًا وَتَغِيبُ يَوْمًا. اهـ.
وَإِنَّ فِي الْبَائِنِ لَا بُدَّ أَنْ تَسْتَمِرَّ أَهْلِيَّتُهَا لِلْإِرْثِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ أَطْلَقَ الْبَائِنَ فَشَمِلَ الثَّلَاثَ وَالْوَاحِدَةَ.
وَأَشَارَ بِارْتِدَادِهَا إلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ مَمْلُوكَةً وَقْتَ الطَّلَاقِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ أُعْتِقَتْ لَا تَرِثُ، وَقَيَّدَ بِالْبَائِنِ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا إنَّمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ الْمُبَارَزَةِ إلَى الصَّفِّ أَوْ سَكَنَ الْمَوْجُ صَارَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ كَالْمَرِيضِ إذَا بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا لَمَّا زَالَتْ لَمْ يَبْقَ لَهَا تَعْلِيقٌ بِمَالِهِ) أَقُولُ: إنْ كَانَتْ زَالَتْ بِالْكُلِّيَّةِ ثُمَّ عَادَتْ فَهَذَا ظَاهِرٌ.
أَمَّا إذَا كَانَتْ ذَاتَ نَوْبَةٍ فَإِنَّهَا إذَا جَاءَتْ نَوْبَتُهَا يُعْلَمُ أَنَّهَا لَمْ تَزُلْ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْمَرِيضَ هُوَ الَّذِي يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا صَارَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا زَالَ مَرَضُهُ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَحْمُومُ عَاجِزًا عَنْهَا فَهُوَ مَرِيضٌ، وَإِلَّا فَلَا نَعَمْ يَشْكُلُ مَا إذَا عَجَزَ فِي يَوْمِ النَّوْبَةِ، وَقَدَرَ فِي غَيْرِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ ذَلِكَ الْقَائِلِ، وَأَنَّهُ أَرَادَ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ تُجْعَلُ عَيْنَ الْأُولَى أَنَّهُ بِالْمُعَاوَدَةِ عُلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَزُلْ فَتُجْعَلُ حُمَّى وَاحِدَةً، وَلَعَلَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ يُجْعَلُ فِي يَوْمِ النَّوْبَةِ مَرِيضًا، وَفِي غَيْرِ يَوْمِهَا غَيْرَ مَرِيضٍ فَكُلُّ نَوْبَةٍ عَجَزَ فِيهَا ثُمَّ قَدَرَ بَعْدَهَا زَالَ حُكْمُهَا فَإِذَا جَاءَتْ نَوْبَةٌ أُخْرَى عَادَ مَرِيضًا فَيُعْطَى حُكْمَهُ إنْ مَاتَ فِيهَا فَإِذَا قَدَرَ زَالَ حُكْمُهَا، وَهَكَذَا، وَنَظِيرُهُ الْحَامِلُ إذَا أَخَذَهَا الطَّلْقُ صَارَتْ مَرِيضَةً إنْ اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ فَإِذَا سَكَنَ ثُمَّ جَاءَ طَلْقٌ آخَرُ فَقَدْ زَالَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ، وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَأْخُذَهَا طَلْقٌ يَتَّصِلُ بِهِ الْمَوْتُ كَمَا مَرَّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنَّ فِي الْبَائِنِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَرَضُ

الصفحة 52