كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 6)
بِعَشَرَةٍ فَذَهَبَ بِهِ فَهَلَكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ بَعْدَ ذِكْرِ مَنْقُولَاتٍ فَتَحَرَّرَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ إنْ ذَكَرَ الثَّمَنَ حَالَةَ الْمُسَاوَمَةِ وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ الثَّمَنِ فِيهِ مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي لَا مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ لَهُ هَذَا الثَّوْبُ بِعَشَرَةٍ فَقَالَ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ فَإِنْ رَضِيته أَخَذْته بِعَشَرَةٍ فَضَاعَ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ فَجَعَلَ ذِكْرَ الْبَائِعِ وَحْدَهُ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلضَّمَانِ وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَ بَعْدَ هَذِهِ لَوْ قَالَ إنْ رَضِيته أَخَذْته بِعَشَرَةٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ هُوَ بِعَشْرَةٍ فَقَالَ الْمُسَاوِمُ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ وَقَبَضَهُ وَضَاعَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ ذِكْرُ الثَّمَنِ مِنْ جِهَةِ الْمُسَاوِمِ لَا مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَحْدَهُ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ فِيهِ وَقَالَ فَلْيُعْتَنَ بِهَذَا التَّحْرِيرِ فَإِنَّهُ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ قُلْتُ: هُوَ خَطَأٌ وَبَيَانُ الثَّمَنِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَحْدَهُ إذَا أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَهُ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ كَافٍ لِضَمَانِهِ.
قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ طَلَبَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا لِيَشْتَرِيَ فَأَعْطَاهُ الْبَائِعُ ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ فَقَالَ هَذَا بِعَشَرَةٍ وَهَذَا بِعِشْرِينَ وَهَذَا بِثَلَاثِينَ فَاحْمِلْ الثِّيَابَ إلَى مَنْزِلِك فَأَيَّ ثَوْبٍ تَرْضَى بِعْتُهُ مِنْكَ فَحَمَلَ فَهَلَكَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إنْ هَلَكَتْ الْكُلُّ جُمْلَةً أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَا يَدْرِي الَّذِي هَلَكَ أَوَّلًا وَلَا الَّذِي بَعْدَهُ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي ثُلُثَ كُلِّ ثَوْبٍ وَإِنْ عَرَفَ الْأَوَّلَ لَزِمَهُ ذَلِكَ الثَّوْبُ وَالثَّوْبَانِ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ وَإِنْ هَلَكَتْ الثَّوْبَانِ وَبَقِيَ الثَّالِثُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الثَّالِثَ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَأَمَّا الثَّوْبَانِ يَلْزَمُهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ أَيَّهَا هَلَكَ أَوَّلًا وَإِنْ هَلَكَ وَاحِدٌ وَبَقِيَ ثَوْبَانِ يَلْزَمُهُ ثَمَنُ الْهَالِكِ وَيَرُدُّ الثَّوْبَيْنِ وَإِنْ احْتَرَقَ الثَّوْبَانِ وَنَقَصَ الثَّالِثُ ثُلُثُهُ أَوْ رُبْعُهُ وَلَا يَعْلَمُ أَيَّهمَا احْتَرَقَ أَوَّلًا يَرُدُّ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّالِثِ وَلَا يَضْمَنُ نُقْصَانَ الْحَرْقِ بِقَدْرِهِ وَيَلْزَمُهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّوْبَيْنِ اهـ.
فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ بَيَانَ الثَّمَنِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ يَكْفِي لِلضَّمَانِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ اذْهَبْ بِهِ إنْ رَضِيَتْهُ اشْتَرَيْت فَذَهَبَ بِهِ فَضَاعَ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ قَالَ إنْ رَضِيته اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ فَذَهَبَ بِهِ وَضَاعَ ضَمِنَ اهـ.
وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ بِالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ فَإِنْ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ الْقُنْيَةِ إنَّمَا قَالَ الْمُسَاوِمُ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ وَالْمَقْبُوضُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ أَمَانَةٌ وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَصْحَابِ الْفَتَاوَى إنَّمَا قَالَ إنْ رَضِيته اشْتَرَيْته وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ وَلَوْ أَخَذَ ثَوْبًا عَلَى الْمُسَاوَمَةِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ الْبَائِعُ وَهُوَ يُسَاوِمُهُ وَالْبَائِعُ يَقُولُ هُوَ بِعَشَرَةٍ فَهُوَ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي قَالَ الْبَائِع حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ سَاوَمَهُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ فَدَفَعَهُ فَضَاعَ مِنْهُ فَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهُ لِلنَّظَرِ وَإِنْ أَخَذَهُ عَلَى غَيْرِ النَّظَرِ ثُمَّ قَالَ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ فَقَوْلُهُ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ لَا يُخْرِجُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ صَادِرٌ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا مِنْ الْبَائِعِ فَكَانَ شَاهِدًا عَلَيْهِ لَا لَهُ نَعَمْ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْخَانِيَّةِ صَرِيحٌ فِيمَا قَالَهُ فَتَأَمَّلْ. اهـ.
قُلْتُ: وَنَقَلَ الطَّرَسُوسِيُّ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا رَجُلٌ يَبِيعُ سِلْعَةً فَقَالَ لِغَيْرِهِ اُنْظُرْ فِيهَا فَأَخَذَهَا لِيَنْظُرَ فِيهَا فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ قَالَ النَّاظِرُ بَعْدَمَا نَظَرَ بِكَمْ تَبِيعُ قَالُوا يَكُونُ ضَامِنًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا إلَّا إذَا قَالَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ بِكَذَا. اهـ.
وَأَوَّلَهُ الطَّرَسُوسِيُّ بِمَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي أَيْضًا بِكَذَا لِيُوَافِقَ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ كَلَامَهُمْ مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِبَيَانِ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ فَقَطْ وَهَذَا يُبْعِدُ مَا فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ لِلْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ مِنْ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يَدْرِ مُرَادَ الطَّرَسُوسِيِّ فَحَمَلَهُ عَلَى الْخَطَأِ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَبِأَنْ يُسَمِّيَ أَحَدُهُمَا وَيَصْدُرَ مِنْ الْآخَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ هَاتِهِ فَإِنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّ تَسْلِيمَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ دَلِيلُ الرِّضَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ حَتَّى أَنْظُرَ فَإِنَّهُ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَى مَا سَمَّى بَلْ جَعَلَهُ مُغَيًّا بِالنَّظَرِ وَأَعْرَضَ عَمَّا سَمَّى وَجَمِيعُ مَا ذَكَرُوهُ وَفِيهِ تَسْمِيَةُ أَحَدِهِمَا وَحَكَمُوا بِالضَّمَانِ فَهُوَ مِنْ ذَلِكَ الْقِسْمِ الثَّانِي عِنْدَ التَّأَمُّلِ وَمَنْ نَظَرَ عِبَارَةَ الطَّرَسُوسِيِّ وَجَدَهَا تُنَادِي بِمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ.
وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ الطَّرَسُوسِيِّ مَا يُنَادِي بِمَا ذَكَرَهُ بَلْ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَنَّ الضَّمَانَ فِيمَا لَوْ ذَكَرَ الْبَائِعُ وَالْمُسَاوِمُ فِي حَالَةِ الْمُسَاوِمَةِ ثَمَنًا أَوْ ذَكَرَهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَقَالَ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ يَكْتَفِي بِذَكَرِ الثَّمَنِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَحْدَهُ لَكَانَ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي قَوْلِهِمْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ هُوَ بِعَشَرَةٍ أَوْ خُذْهُ بِعَشَرَةٍ وَقَالَ الْمُسَاوِمُ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ وَقَبَضَهُ وَضَاعَ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَقَدْ نَصُّوا فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَنَصُّوا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الثَّمَنِ مِنْ جِهَةِ الْمُسَاوِمِ وَحْدَهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ. اهـ.
وَبَعْدَ هَذَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ مَا قَالَهُ الْمَقْدِسِيَّ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ كَلَامِ الطَّرَسُوسِيِّ وَذَلِكَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي تَصِحُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا سَلَّمَهُ الْمَبِيعَ صَارَ رَاضِيًا بِهَا فَكَذَا إذَا كَانَتْ مِنْ الْبَائِعِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي رَاضِيًا بِهَا
الصفحة 11
316