كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 6)

عَنْ الضَّمَانِ اهـ.
فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَفِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا لِأَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ سَاوَمَ رَجُلًا بِثَوْبٍ فَقَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ هُوَ بِعَشَرَةٍ فَقَالَ الْمُسَاوِمُ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ فَضَاعَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عَلَّلَ فَقَالَ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى النَّظَرِ إشَارَةً إلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَقْبُوضٍ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ اهـ.
فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ هَذَا الثَّوْبُ لَك بِعَشَرَةٍ فَقَالَ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ أَوْ قَالَ حَتَّى أُرِيَهُ غَيْرِي فَأَخَذَهُ عَلَى ذَلِكَ فَضَاعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ قَالَ هَاتِهِ فَإِنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ فَضَاعَ كَانَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ اهـ.
وَهَذَا صَرِيحٌ أَيْضًا فَثَبَتَ بِهَذِهِ النُّقُولِ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ بَيْنَ بَيَانِ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَلَقَدْ صَدَقَ خِتَامُ الْمُحَقِّقِينَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ إنَّ الطَّرَسُوسِيَّ بَعِيدٌ عَنْ الْفِقْه ثُمَّ رَأَيْت الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا صَرِيحًا فِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ وَمِنْهَا نَقَلْت قَالَ لَوْ قَالَ هَذَا الثَّوْبُ لَك بِعَشَرَةٍ فَقَالَ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ أَوْ حَتَّى أُرِيَهُ غَيْرِي فَأَخَذَهُ فَضَاعَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ يَعْنِي يَهْلِكُ أَمَانَةً وَإِنْ قَالَ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ فَإِنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ فَهَلَكَ فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَمَرَهُ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ أَوْ لِيُرِيَهُ غَيْرَهُ وَذَلِكَ لَيْسَ بِبَيْعٍ فَأَمَّا فِي الْفَصْلِ الْآخَرِ أَمَرَهُ بِالْإِتْيَانِ بِهِ لِيَرْضَاهُ وَيَأْخُذَهُ وَذَلِكَ بَيْعٌ بِدُونِ الْأَمْرِ فَمَعَ الْأَمْرِ أَوْلَى. اهـ.
وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْهَلَاكِ أَوْ الِاسْتِهْلَاكِ وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ مَحْمُولٌ عَلَى الْقِيمَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنْ هَلَكَ فَمَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ فَمَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ إذَا أَخَذَ ثَوْبًا عَلَى وَجْهِ الْمُسَاوَمَةِ بَعْدَ بَيَانِ الثَّمَنِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ.
وَكَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ وَارِثُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ مَوْتِ الْمُشْتَرِي. اهـ.
وَالْوَارِثُ كَالْمُوَرِّثِ وَأَمَّا مَقْبُوضُ الْوَكِيلِ بِالسَّوْمِ فَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا أَخَذَ الثَّوْبَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَأَرَاهُ الْمُوَكِّلَ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَهَلَكَ عِنْدَ الْوَكِيلِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ ضَمِنَ الْوَكِيلُ قِيمَتَهُ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْوَكِيلُ بِالْأَخْذِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَحِينَئِذٍ إذَا ضَمِنَ الْوَكِيلُ رَجَعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ غَلِطَ وَسَلَّمَ غَيْرَ الْمَبِيعِ وَهَلَكَ ضَمِنَ الْقِيمَةَ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى جِهَةِ الْبَيْعِ بَعَثَ رَسُولًا إلَى الْبَزَّازِ وَقَالَ ابْعَثْ إلَيَّ ثَوْبَ كَذَا فَبَعَثَ إلَيْهِ الْبَزَّازَ مَعَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ فَضَاعَ الثَّوْبُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْآمِرِ وَتَصَادَقُوا عَلَيْهِ لَا ضَمَانَ عَلَى الرَّسُولِ ثُمَّ إنْ كَانَ رَسُولَ الْآمِرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ وَإِنْ كَانَ رَسُولَ الْبَزَّازِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ لَكِنْ إذَا وَصَلَ إلَى الْآمِرِ ضَمِنَ الْآمِرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ فَأَمَّا فِي الْفَصْل الْآخَرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَخَذَ رَجُلٌ ثَوْبًا وَقَالَ أَذْهَبُ بِهِ فَإِنْ رَضِيتُهُ اشْتَرَيْتُهُ فَذَهَبَ بِهِ وَضَاعَ الثَّوْبُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ إنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ بِعَشَرَةٍ فَضَاعَ فَهُوَ ضَامِنٌ قِيمَتَهُ وَفِي النِّصَابِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ إنَّمَا يَكُونُ مَضْمُونًا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى اهـ.
وَهَذَا بِالْقَوَاعِدِ أَمَسُّ مِمَّا فِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ مِنْ أَنَّهُ فِي الثَّانِي يَكُونُ بَيْعًا اهـ.
(قَوْلُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ الطَّرَسُوسِيُّ لَمْ يَذْكُرْهُ تَفَقُّهًا بَلْ نَقْلًا عَنْ الْمَشَايِخِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُنْتَقَى وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ صَارَ رَاضِيًا بِالْمَبِيعِ دَلَالَةً حَمْلًا لِقَوْلِهِ عَلَى الصَّلَاحِ وَالسَّدَادِ وَعَزَاهُ فِي الْخِزَانَةِ أَيْضًا إلَى الْمُنْتَقَى غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ وَفِي الْقِيَاسِ تَجِبُ الْقِيمَةُ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُزَادَ بِهَا الْمُسَمَّى كَمَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْقِيمَةُ بَالِغَةً وَقَدْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَكَذَا هَذَا اهـ. كَلَامُ النَّهْرِ.
قُلْتُ: وَلَا يَرِدُ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْخَانِيَّةِ لِأَنَّ الْمُسَاوِمَ إذَا اسْتَهْلَكَ الثَّوْبَ يَكُونُ رَاضِيًا بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ فَصَحَّ الْبَيْعُ بِالثَّمَنِ بِخِلَافِ اسْتِهْلَاكِ وَارِثِهِ لِأَنَّ الْوَارِثَ غَيْرُ عَاقِدٍ فَقَوْل الْمُؤَلِّفِ وَالْوَارِثُ كَالْمُوَرِّثِ مَمْنُوعٌ يُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ عَنْ الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ لِآخَرَ خُذْ هَذَا الثَّوْبَ بِعِشْرِينَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي آخُذُهُ بِعَشَرَةٍ فَذَهَبَ بِالثَّوْبِ وَهَلَكَهُ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِجِهَةِ الْبَيْعِ وَقَدْ بَيَّنَ لَهُ ثَمَنًا وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ عِشْرُونَ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ صَارَ الْبَيْعُ بِالْمُسَمَّى دَلَالَةً حَمْلًا لِفِعْلِهِ عَلَى الصَّلَاحِ وَالسَّدَادِ وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ رَجَعْت عَمَّا قُلْتُ: أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي رَضِيتُ انْتَقَضَ جِهَةُ الْبَيْعِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَمَا فِي حَقِيقَةِ الْبَيْعِ لَوْ انْتَقَضَ يَبْقَى الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ مَضْمُونًا فَكَذَا هُنَا اهـ.
فَحَيْثُ انْتَفَضَ الْبَيْعُ فَكَيْفَ يَكُونُ الْوَارِثُ كَالْمُوَرِّثِ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُوَرِّثِ وَقَدْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ بِمَوْتِهِ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ مَحْضَ أَمَانَةٍ فِي يَدِ الْوَارِثِ فَإِذَا اسْتَهْلَكَهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ بِخِلَافِ اسْتِهْلَاكِ الْمُوَرِّثِ لِأَنَّهُ يَكُونُ رِضًا بِإِمْضَاءِ الْعَقْدِ وَيُفْهَمُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْخَانِيَّةِ وَكَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ وَارِثُ الْمُشْتَرِي إلَخْ وَأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُوَرِّثَ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ لَا يَكُونُ كَاسْتِهْلَاكِ الْوَارِثِ بَلْ يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ لِمَا قُلْنَا

الصفحة 12