كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 6)

وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ إلَى آخَرَ وَقَالَ أَرْسَلَ إلَيَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قَرْضًا فَأَرْسَلَ مَعَهُ فَالْآمِرُ ضَامِنٌ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ رَسُولُهُ فَإِنْ بَعَثَهُ مَعَ غَيْرِ رَسُولِهِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْآمِرِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ وَكَذَا الدَّائِنُ إذَا بَعَثَ رَسُولًا لِقَبْضِ دَيْنِهِ فَبَعَثَ مَعَهُ وَضَاعَ يَكُونُ مِنْ مَالِ الدَّائِنِ وَإِنْ مَعَ الْآخَرِ لَا حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ إذَا بُيِّنَ ثَمَنُهُ مَضْمُونٌ وَإِنْ اشْتَرَطَ أَنْ لَا ضَمَانَ فِيهِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اسْتِبَاع قَوْسًا وَتَقَرَّرَ الثَّمَنُ فَمَدَّهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ قَالَ لَهُ إنْ انْكَسَرَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْك فَمَدَّهُ وَانْكَسَرَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَرَّرْ الثَّمَنُ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ بِالْإِذْنِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ عَدَمِ الضَّمَانِ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى السَّوْمِ بَاطِلٌ وَعَنْ الْإِمَامِ أَرَاهُ الدِّرْهَمَ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ فَغَمَزَهُ أَوْ قَوْسًا فَمَدَّهُ فَانْكَسَرَ أَوْ ثَوْبًا فَتَخَرَّقَ ضَمِنَ إنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْغَمْزِ وَالْمَدِّ وَاللُّبْسِ وَقِيلَ إنْ كَانَ لَا يُرَى إلَّا بِالْغَمْزِ لَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ وَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ اهـ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَمَا قَبَضَ عَلَى سَوْمِ الْقَرْضِ مَضْمُونٌ بِمَا سَاوَمَ كَمَقْبُوضٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِمَنْزِلَةِ مَقْبُوضٍ عَلَى سَوْمِ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ فِي الْبَيْعِ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَهُنَا يَهْلِكُ الرَّهْنُ بِمَا سَاوَمَهُ مِنْ الْقَرْضِ وَمَا قَبَضَ عَلَى سَوْمِ النِّكَاحِ مَضْمُونٌ يَعْنِي لَوْ قَبَضَ أَمَةَ غَيْرِهِ لِيَتَزَوَّجَهَا بِإِذْنِ مَوْلَاهَا فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَالْمَهْرُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ مَضْمُونٌ وَكَذَا بَدَلُ الْخُلْعِ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَيْنٍ أَوْ خَالَعَهَا فَهَلَكَتْ قَبْلَ قَبْضِهِ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ فِي الْمِثْلِيِّ وَقِيمَتُهُ فِي الْقِيَمِيِّ اهـ ذَكَرَهُ فِي الثَّلَاثِينَ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ وَلَا يُمْلَكُ) أَيْ لَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَيَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ لِلُزُومِهِ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَا خِيَارَ لَهُ فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ لَمْ يَصِحَّ إعْتَاقُهُ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ حَلَفَ وَقَالَ إنْ بِعْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بِخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَعْتِقْ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَلَوْ بَاعَهُ بِخِيَارٍ لَهُ عَتَقَ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَكِنْ يَصِحُّ إعْتَاقُهُ وَيَكُونُ إمْضَاءً كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِيهَا بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ عَلَى أَنَّ بَائِعَ الْعَبْدِ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَعْتَقَ الْبَائِعُ الْعَبْدَ فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي قَوْلِهِمْ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَإِنْ أَعْتَقَ الْجَارِيَةَ جَازَ وَيَكُونُ إسْقَاطًا لِلْخِيَارِ وَيَتِمُّ وَلَوْ أَعْتَقَهُمَا فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ نَفَذَ عِتْقُهُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فِيهِمَا وَيَغْرَمُ قِيمَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَمَا قُبِضَ عَلَى سَوْمِ الْقَرْضِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ آخِرِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا قَبْلَهُ فَمَا فِي قَوْلِهِ وَمَا قَبَضَ نَكِرَةٌ بِمَعْنَى رَهْنٍ (قَوْلُهُ وَمَا قَبَضَ عَلَى سَوْمِ النِّكَاحِ مَضْمُونٌ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ مُسَمًّى أَوْ لَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى قِيَاسًا عَلَى الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا إلَّا بَعْدَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى فَيَكُونُ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ النِّكَاحِ مَضْمُونًا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى وَإِلَّا فَلَا وَلَمْ أَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا غَيْرَ أَنَّ إطْلَاقَ الْعِبَارَةُ يَقْتَضِي الضَّمَانَ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ وَعَلَيْهِ فَيَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يُضْمَنُ إلَّا بَعْدَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ.
وَكَذَا الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا إلَّا إذَا سَمَّى مَا يَرْهَنُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا قَالَ وَقَدْ ظَهَرَ لِي فَرْقٌ بَيْنَ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ وَبَيْنَ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ النِّكَاحِ وَهُوَ أَنَّ الْمَهْرَ مُقَدَّرٌ شَرْعًا مِنْ حَيْثُ هُوَ وَالْمُقَدَّرُ شَرْعًا مُسَمًّى شَرْعًا وَالْمُسَمَّى شَرْعًا مُعْتَبَرٌ مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ صَحَّ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنْ لَا ثَمَنَ كَانَ بَاطِلًا اعْتِبَارًا لِلتَّسْمِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْمَهْرِ وَلِذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ النِّكَاحِ مَضْمُونًا سَوَاءٌ سَمَّى الْمَهْرَ أَوْ لَا لِأَنَّهُ مُسَمًّى شَرْعًا فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ بِخِلَافِ الثَّمَنِ وَمَا يَرْهَنُ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ شَرْعًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ فِيهَا اهـ.
وَرَدَّهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَائِلًا لَمْ يَظْهَرْ لِي هَذَا الْفَرْقُ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ إنَّمَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ فِيهِ إذَا سُمِّيَ الثَّمَنُ فَيَهْلِكُ الْمَقْبُوضُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ هُوَ بَدَلُ الْعَيْنِ فَلِمَا سُمِّيَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ الْآخَرُ وَأَمَّا الْمَهْرُ وَإِنْ كَانَ مُسَمًّى شَرْعًا فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَدَلُ الْمُتْعَةِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ وَالْقِيمَةُ بَدَلُ الْعَيْنِ فَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالْقِيمَةِ فَلَا تُوجِبُ تَسْمِيَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا دَخْلَ لِتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ شَرْعًا فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَنْ التَّأَمُّلِ قَالَ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي فِي الْفَرْقِ هُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ فِي الْبَيْعِ الْمَالَ كَانَ عَدَمُ ذِكْرِ الثَّمَنِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا دَفَعَهُ لِلْمُسْتَامِ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ وَالْمُسْتَامُ إنَّمَا قَبَضَهُ كَذَلِكَ وَأَمَّا إذَا سَمَّى ثَمَنًا فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ مَتَى بَيَّنَ ثَمَنًا يَكُونُ الِاسْتِيَامُ أَخْذًا لِلْعَقْدِ فَيَكُونُ وَسِيلَةَ الْعَقْدِ فَأُلْحِقَ بِحَقِيقَةِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ إلَّا بِعِوَضٍ فَصَارَ الْقَابِضُ مُلْتَزِمًا لِلْعِوَضِ وَعِوَضُهُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الْقِيمَةُ مَا لَمْ يَصْطَلِحَا وَيَتَّفِقَا عَلَى الْمُسَمَّى.
وَصَرَّحَ فِي الدُّرَرِ مِنْ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ بِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَقْبُوضٌ عَلَى وَجْهِ الْمُبَادَلَةِ وَمَتَى لَمْ يُبَيِّنْ ثَمَنًا لَمْ يَكُنْ أَخْذُهُ لِلْعَقْدِ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِهِ كَذَا فِي

الصفحة 13