كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 6)

فَلَوْ بَاعَ فُضُولِيٌّ وَزَوَّجَ آخَرُ تَرَجَّحَ الْبَيْعُ فَتَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَا زَوْجَةً وَلَوْ اسْتَوَيَا فَإِنْ كَانَا نِكَاحَيْنِ بَطَلَا وَإِنْ كَانَا بَيْعَيْنِ تَنَصَّفَ وَالْبَيْعُ أَقْوَى مِنْ الْهِبَةِ وَالْإِجَازَةِ وَالرَّهْنِ وَالنِّكَاحِ إلَّا هِبَةً لَا تَبْطُلُ بِالشُّيُوعِ فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ وَالْهِبَةُ وَالرَّهْنُ أَقْوَى مِنْ الْإِجَارَةِ وَسَيَأْتِي فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ بَقِيَّةُ مَسَائِلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا إنْ فَصَّلَ وَعَيَّنَ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُتَعَدِّدًا وَحَاصِلُهَا أَنَّهَا رَبَاعِيَةٌ فَالصِّحَّةُ فِي وَاحِدَةٍ وَهُوَ مَا إذَا فَصَّلَ لَهُ ثَمَنَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَعَيَّنَ مَنْ فِيهِ الْخِيَارُ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ وَقَبُولُ الْعَقْدِ فِي الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لِانْعِقَادِهِ فِي الْآخَرِ وَلَكِنْ هَذَا غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ لِكَوْنِهِ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ وَالْفَسَادُ فِي ثَلَاثَةٍ:
الْأُولَى إذَا لَمْ يُفَصِّلْ الثَّمَنَ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَحَلَّ الْخِيَارِ لِجَهَالَتِهِمَا.
الثَّانِيَةُ: فَصَّلَ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَحَلَّهُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ.
وَالثَّالِثَةُ: عَيَّنَ مَحَلَّهُ وَلَمْ يُفَصِّلْ الثَّمَنَ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ كَالْخَارِجِ عَنْ الْعَقْدِ إذْ الْعَقْدُ مَعَ الْخِيَارِ لَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَبَقِيَ الدَّاخِلُ فِيهِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَإِنَّمَا جَازَ الْبَيْعُ فِي الْقِنِّ إذَا ضُمَّ إلَى مُدَبَّرٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ وَبِيعَا صَفْقَةً وَإِنْ لَمْ يُفَصِّلْ الثَّمَنَ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُقَارِنٌ لِلْعَقْدِ لَفْظًا وَمَعْنًى فَأَثَّرَ الْفَسَادُ وَفِيمَا ذُكِرَ الْمَانِعُ مُقَارِنٌ مَعْنًى لَا لَفْظًا لِدُخُولِهِمْ فِي الْبَيْعِ حَتَّى لَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ يَجُوزُ لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ لِحَقٍّ مُحْتَرَمٍ وَاجِبِ الصِّيَانَةِ فَأَثَّرَ الْفَسَادُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي ضَمِّ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ إلَى الْمُدَبَّرِ فِي جَوَازِ الْقَضَاءِ بِبَيْعِهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَنْفُذُ فِي الْمُدَبَّرِ فَقَطْ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَى مَا ذُكِرَ هُنَا يَتَفَرَّعُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ بَاعَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِيهِمَا وَقَبَضَهُمَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى إجَازَتِهِ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فِي الْبَاقِي بِالْحِصَّةِ وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقَضْت الْبَيْعَ فِي هَذَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا كَانَ لَغْوًا كَأَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَخِيَارُهُ فِيهِمَا بَاقٍ كَمَا كَانَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا وَاحِدًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَنَقَضَ الْبَيْعَ فِي نِصْفِهِ اهـ.
وَهَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَتَقْيِيدُهُ بِالْبَائِعِ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَوْ شَرَطَ لِلْمُشْتَرِي كَانَ كَذَلِكَ صِحَّةً وَفَسَادًا وَأَرَادَ بِالْعَبْدَيْنِ الْقِيَمِيَّيْنِ احْتِرَازًا عَنْ قِيَمِيٍّ وَمِثْلِيَّيْنِ إذْ فِي الْقِيَمِيِّ الْوَاحِدِ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ فِي نِصْفِهِ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَفِي الْمِثْلِيَّيْنِ كَذَلِكَ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَصَحَّ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعَةِ) وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ أَوْ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا وَالْقِيَاسُ الْفَسَادُ كَالْأَرْبَعَةِ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ إنَّ شَرْعَ الْخِيَارِ لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الْغَبَنِ لِيَخْتَارَ مَا هُوَ الْأَرْفَقُ وَالْأَوْفَقُ وَالْحَاجَةُ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ مُتَحَقِّقَةٌ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اخْتِيَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ اخْتِيَارِ مَنْ يَشْتَرِيهِ لِأَجْلِهِ وَلَا يُمَكِّنُهُ الْبَائِعُ مِنْ الْحَمْلِ إلَيْهِ إلَّا بِالْبَيْعِ فَكَانَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ تَنْدَفِعُ بِالثَّلَاثِ لِوُجُودِ الْجَيِّدِ وَالْوَسَطِ وَالرَّدِيءِ فِيهَا وَالْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فِي الثَّلَاثَةِ لِتَعْيِينِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَكَذَا فِي الْأَرْبَعَةِ إلَّا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ وَالرُّخْصَةُ ثُبُوتُهَا بِالْحَاجَةِ وَكَوْنُ الْجَهَالَةِ مَوْجُودَةً غَيْرُ مُفْضِيَةٍ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَثْبُتُ بِأَحَدِهِمَا أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَأْذُونِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ يَجُوزُ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي. اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَ أَيَّهمَا شَاءَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْبَاقِيَ لَا الْهَالِكَ وَلَوْ حَدَثَ فِي أَحَدِهِمَا عَيْبٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ السَّلِيمَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْمَعِيبَ إلَّا بِرِضَا الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَلْزَمَهُ الْمَعِيبَ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْآخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَبَضَهُمَا الْمُشْتَرِي وَخِيَارُ التَّعْيِينِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَاعَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا]
(قَوْلُهُ فَأَثَرَ الْفَسَادُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَعَلَّهُ لَمْ يُؤَثِّرْ الْفَسَادُ. اهـ.
وَهُوَ الَّذِي فِي الْمِعْرَاجِ فَمَا هُنَا مِنْ تَصْحِيفِ النُّسَّاخِ (قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِالْعَبْدَيْنِ الْقِيَمِيَّيْنِ) أَيْ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي النَّهْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا أَيْ الْقِيَمِيَّيْنِ لَيْسَا بِقَيْدٍ إذْ لَوْ كَانَا مِثْلِيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مِثْلِيًّا وَالْآخَرُ قِيَمِيًّا وَفَصَّلَ وَعَيَّنَ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا يَنْبَغِي اهـ.
قُلْتُ: وَهَذَا لَا يَرِدُ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ هُنَا مِنْ كَوْنِهِ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا إذْ الْمُرَادُ الِاحْتِرَازُ عَمَّا عَدَا الْقِيَمِيَّيْنِ لِصِحَّتِهِ مَعَ التَّفْصِيلِ وَالتَّعْيِينِ وَبِدُونِهِمَا وَلِذَا قَالَ يَصِحُّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ فِي الْقِيَمِيَّيْنِ لَا يَصِحُّ بِدُونِهِمَا فَعُلِمَ أَنَّهُ مَعَ التَّفْصِيلِ وَالتَّعْيِينِ يَصِحُّ فِي الْقِيَمِيَّيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَتَدَبَّرْ نَعَمْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمِثْلِيَّيْنِ بِمَا إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إذْ لَوْ اخْتَلَفَا كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ صَارَا كَالْقِيَمِيَّيْنِ فِي اشْتِرَاطِ التَّفْصِيلِ وَالتَّعْيِينِ لِيَحْصُلَ الْعِلْمُ بِالثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَ إلَخْ)

الصفحة 23