كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 6)
وَحُكِيَ فِي التَّتِمَّةِ الْخِلَافُ فِي الثُّبُوتِ وَصُحِّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ حُكْمٌ، وَذَكَرَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ مَعْزِيًّا إلَى الْكُبْرَى لِلْخَاصِّيِّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الثُّبُوتَ حُكْمٌ، وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فَمَنْ قَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ أَرَادَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَ تَقَدُّمِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ حُكْمٌ أَرَادَ إذَا كَانَ بَعْدَ الدَّعْوَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الثُّبُوتَ لَيْسَ بِحُكْمٍ اتِّفَاقًا فِي مَوَاضِعَ ظَفِرْت بِهَا مِنْهَا ثُبُوتُ مِلْكِ الْبَائِعِ لِلْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِبَيِّنَةِ الْجَرَيَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمَنْظُومَةِ وَيَدْخُلُ شُرْبُ الْأَرْضِ مِنْ دُونِ ذِكْرِهِ قَالَ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِمِلْكِيَّةِ الْأَرْضِ لِإِنْسَانٍ عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي كُتُبِ التَّبَايُعِ فِي بِلَادِنَا أَنَّهُ يُقِيمُ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ بَيِّنَةً بِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَزَلْ حَائِزًا مَالِكًا لِجَمِيعِ الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ فِي الْوَقْفِ مَنْ أَحَلَّ صِحَّةَ الْبَيْعِ أَوْ الْمَوْقُوفِ أَوْ غَيْرِهِمَا. اهـ.
وَفَائِدَةُ بَيِّنَةِ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ أَوْ الْوَاقِفِ التَّوَصُّلُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي بِصِحَّةِ الْبَيْعِ أَوْ الْوَقْفِ، وَإِلَّا لَمْ يَقْضِ بِالصِّحَّةِ وَإِنَّمَا يَقْضِي بِمُوجِبِ مَا أَقَرَّ بِهِ كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْغَرْسِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى فِي الْعَقَارِ حَتَّى يُثْبِتَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الثُّبُوتُ لَيْسَ بِحُكْمٍ قَطْعًا اهـ.
قَالَ وَمِنْهَا قَوْلُ الْمُوَثَّقِ وَثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ الْعَيْنَ بِصِفَةِ الِاسْتِبْدَالِ شَرْعًا وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ لَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ الْمُشْتَرِي قِيَامَ الْعَيْبِ لِلْحَالِ لِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ إلَى الْبَائِعِ فَإِنَّهُ ثُبُوتٌ مُجَرَّدٌ لَا حُكْمٌ، وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ إنَّهُ ثَبَتَ أَنْ لَا مَالَ لِلصَّغِيرِ سِوَى الْعَقَارِ عِنْدَ بَيْعِ عَقَارِهِ اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَوْلُهُ لَا أَرَى لَك حَقًّا فِي هَذِهِ الدَّارِ بِهَذِهِ الدَّعْوَى لَا يَكُونُ قَضَاءً مَا لَمْ يَقُلْ أَمْضَيْتُ أَوْ أَنَفَذْتُ عَلَيْكَ الْقَضَاءَ بِكَذَا، وَكَذَا قَوْلُهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَلِّمْ هَذِهِ الدَّارَ إلَيْهِ بَعْدَ إقَامَةِ الْبُرْهَانِ، قَالَ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ لَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَضَائِهِ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ حُكْمٌ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ إلْزَامٌ وَحُكْمٌ وَإِذَا قَالَ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي وَقُلْنَا إنَّهُ حُكْمٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الثُّبُوتَ بِمَاذَا بِالْإِقْرَارِ أَمْ بِالْبَيِّنَةِ لِمُخَالَفَةِ الْحُكْمِ بَيْنَ طَرِيقَيْ الْحُكْمَيْنِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ الْقَاضِي بَعْدَمَا شَهِدَ الْعُدُولُ أَرَى أَنَّ الْحَقَّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَرَى أَوْ رَأَى بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَظُنُّ، وَلَوْ قَالَ أَظُنُّ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً ثُمَّ قَالَ الْبَزَّازِيُّ أَمْرُ الْقَاضِي لَيْسَ كَقَضَائِهِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ الظَّهِيرِيُّ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَاحْتَاجَ بَعْضُ قَرَابَةِ الْوَاقِفِ فَأَمَرَ الْقَاضِي بِأَنْ يُصْرَفَ شَيْءٌ مِنْ الْوَقْفِ إلَيْهِ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْفَتْوَى حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى فَقِيرٍ آخَرَ صَحَّ وَلَوْ حُكِمَ بِأَنْ لَا يَصْرِفَ إلَّا إلَى أَقْرِبَائِهِ نَفَذَ حُكْمُهُ دَلَّ هَذَا أَنَّ أَمْرَهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ سَلِّمْ الدَّارَ هَلْ هُوَ حُكْمٌ أَوْ لَا وَلَمْ يَحْكُوا خِلَافًا فِي أَنَّ أَمْرَهُ بِإِعْطَاءِ بَعْضِ قَرَابَتِهِ لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَوْ حَكَمَ الْقَاضِي أَنْ لَا يُعْطِيَ غَيْرَ هَذَا الرَّجُلِ نَفَذَ حُكْمُهُ فَقَدْ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الْوَقْفِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْخَصَّافِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِأَقَارِبِ الْوَاقِفِ، وَقَدْ اسْتَبْعَدْتُ صِحَّةَ هَذَا الْحُكْمِ وَكَيْفَ سَاغَ بِلَا شَرْطٍ حَتَّى ظَفِرْتُ فِي الْمَسْأَلَةِ بِقُوَيْلَةِ إنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ اهـ.
وَيُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ لَهُ حَادِثَةٌ هِيَ إعْطَاءُ الْمُتَوَلِّي فَقِيرًا شَيْئًا مِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ سَنَةً، ثُمَّ جَاءَ لَهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَمَنَعَهُ وَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرِهِ فَتَرَافَعَا إلَى الْقَاضِي فَرَأَى الْقَاضِي أَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِ أَصْلَحُ لِعِلْمِهِ وَصَلَاحِهِ فَحَكَمَ عَلَى الْمُتَوَلِّي بِأَنْ لَا يُعْطِيَ غَيْرَهُ نَفَذَ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُوَافَقَةً لِلشَّرْطِ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ، وَكَذَا عُلِّلَ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ بَعْدَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَعْنِي مَا إذَا أَعْطَاهُ الْقَاضِي بِلَا حُكْمٍ، وَأَمَّا إذَا حُكِمَ بِأَنْ لَا يُعْطِيَ غَيْرَهُ بِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَنْفِيذَ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَلَمْ يَحْكُوا خِلَافًا فِي أَنَّ أَمْرَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَحُكِيَ فِي التَّتِمَّةِ الْخِلَافُ فِي الثُّبُوتِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ ثَبَتَ عِنْدِي فَمَوْضِعُ الْحُكْمِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ وَأَمَّا الثُّبُوتُ فَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا قَوْلُ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي حُكْمٌ وَعُرْفُ الْمُتَشَرِّعِينَ وَالْمُوَثِّقِينَ الْآنَ عَلَى أَنَّ الثُّبُوتَ لَيْسَ بِحُكْمٍ بِدَلِيلِ تَقْسِيمِ الثُّبُوتِ إلَى مَا اقْتَرَنَ بِهِ الْحُكْمُ وَمَا كَانَ مُجَرَّدًا وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ فِي التَّسْجِيلِ، وَلَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُ حُكْمٌ وَالْمُتَعَارَفُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِمَذْهَبٍ بَلْ نِسْبَتُهُ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِعْمَالُ إلَى جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ وَاحِدَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ فَصَّلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ الثُّبُوتَ إنْ وَقَعَ عَلَى السَّبَبِ لَا يَكُونُ حُكْمًا كَمَا إذَا قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي جَرَيَانُ الْعَقْدِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدِينَ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْمُسَبَّبِ كَانَ حُكْمًا كَمَا إذَا قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي مِلْكُهُ لِكَذَا وَهُوَ قَوْلٌ مُتَّجَهٌ لَوْ تَمَّ وَجْهُهُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَتِمُّ ثُمَّ ذَكَرَ بَيَانَهُ فَرَاجِعْهُ ثُمَّ قَالَ وَفِي مَعْنَى قَوْلِ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي صَحَّ عِنْدِي. اهـ.
(قَوْلُهُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَعِيدٌ جِدًّا بَلْ لَا يُقَالُ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى الْغَيْرَ الصَّحِيحَةِ لَا يُفِيدُ فِيهَا لَفْظُ حَكَمْت الْمَجْمَعُ عَلَيْهِ خِلْفَةً عَنْ لَفْظِ ثَبَتَ عِنْدِي تَأَمَّلْ وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ الصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي حُكْمٌ مِنْهُ اهـ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الثُّبُوتَ لَيْسَ بِحُكْمٍ اتِّفَاقًا فِي مَوَاضِعَ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِالثُّبُوتِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِيمَا مَرَّ قَوْلُ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالثُّبُوتِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْإِخْبَارَ بِذَلِكَ بَلْ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ أَرَى أَنَّ الْحَقَّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَمَّا إذَا كَانَ بِمَعْنَى اعْلَمْ فَقَدْ مَرَّ إنَّ عَلِمْت
الصفحة 278
316