كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 6)
سَائِرِ الْقُضَاةِ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ وَيَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ كَانَ مِنْ الْبُغَاةِ فَإِنَّ قَضَايَاهُ تَنْفُذُ كَسَائِرِ فُسَّاقِ أَهْلِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ يَصْلُحُ قَاضِيًا فِي الْأَصَحِّ، وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فِيهِ الْأَوَّلُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الثَّانِي عَدَمُ النَّفَاذِ فَإِذَا رَفَعَ إلَى الْعَادِلِ لَا يُمْضِيهِ الثَّالِثُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُحْكِمِ يُمْضِيهِ لَوْ وَافَقَ رَأْيَهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ. اهـ.
وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِصِحَّةِ التَّقْلِيدِ مِنْ الْجَائِرِ عَادِلًا كَانَ الْقَاضِي أَوْ بَاغِيًا إلَى صِحَّةِ عَزْلِ الْبَاغِي لِقُضَاةِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَفِي الْفُصُولِ بِمُجَرَّدِ اسْتِيلَاءِ الْبَاغِي لَا تَنْعَزِلُ قُضَاةُ الْعَدْلِ، وَيَصِحُّ عَزْلُ الْبَاغِي لَهُمْ حَتَّى لَوْ انْهَزَمَ الْبَاغِي بَعْدَهُ لَا تَنْفُذُ قَضَايَاهُمْ بَعْدَهُ مَا لَمْ يُقَلِّدْهُمْ سُلْطَانُ الْعَدْلِ ثَانِيًا إذْ الْبَاغِي صَارَ سُلْطَانًا بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ اهـ.
وَفِي شَرْحِ بَاكِيرٍ فِيمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَمَا لَا يَصِحُّ قُبَيْلَ الصَّرْفِ.
اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُكَلَّفًا حُرًّا مُسْلِمًا عَدْلًا مُجْتَهِدًا ذَا رَأْيٍ وَكِفَايَةٍ سَمِيعًا بَصِيرًا نَاطِقًا، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ وَلِلْإِمَامِ فِيهِ مَنْعٌ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَمِنْ الْعَجَمِ، وَتَنْعَقِدُ بَيْعَةُ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ وَالرُّؤَسَاءِ لِمَا عُرِفَ اهـ.
وَتَكْفِي مُبَايَعَةُ وَاحِدٍ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ عَدَدٌ وَتَمَامُهُ فِي الْمُسَايَرَةِ وَعَرَّفَ الْمُحَقِّقُ الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى فِي الْمُسَايَرَةِ بِأَنَّهَا اسْتِحْقَاقُ تَصَرُّفٍ عَامٍّ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْإِمَامِ مِنْ عُمُومِ وِلَايَتِهِ وَلِذَا قَالُوا: لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ إمَامَيْنِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَقَدَّمْنَا أَوَّلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ بِمَاذَا يَكُونُ سُلْطَانًا.
[مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي إذَا تَقَلَّدَ الْقَضَاء]
(قَوْلُهُ فَإِنْ تَقَلَّدَ يَسْأَلُ دِيوَانَ قَاضٍ قَبْلَهُ) شُرُوعٌ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي إذَا تَقَلَّدَهُ فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ الْمَنْشُورَ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ إنْ كُتِبَ لَهُ، وَإِنْ قَدِمَ مِنْ خَارِجٍ يَنْبَغِي أَنْ يَقْدُمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ أَوْ الْخَمِيسِ لَابِسًا عِمَامَةً سَوْدَاءَ، وَيَنْزِلَ وَسَطَ الْبَلَدِ وَيَقْرَأَ عَلَيْهِمْ مَنْشُورَهُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا الْآنَ ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ، ثُمَّ يَطْلُبُ دِيوَانَ الْقَاضِي السَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وُضِعَ لِلْحَاجَةِ فَيُجْعَلُ فِي يَدِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ نُسْخَتَيْنِ إحْدَاهُمَا فِي يَدِهِ لِاحْتِمَالِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَالْأُخْرَى فِي يَدِ الْخَصْمِ وَمَا فِي يَدِهِ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ، وَالدِّيوَانُ لُغَةً جَرِيدَةُ الْحِسَابِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْحَاسِبِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى مَوْضِعِ الْحَاسِبِ وَهُوَ مُعَرَّبٌ، وَالْأَصْلُ دِوَّانٌ فَأُبْدِلَتْ مِنْ إحْدَى الْمُضَعَّفَيْنِ يَاءٌ بِالتَّخْفِيفِ وَلِهَذَا يُرَدُّ فِي الْجَمْعِ إلَى أَصْلِهِ فَيُقَالُ دَوَاوِينُ وَفِي التَّصْغِيرِ دُوَيْوِينٌ؛ لِأَنَّ التَّصْغِيرَ وَجَمْعَ التَّكْسِيرِ يَرُدَّانِ الْأَسْمَاءَ إلَى أُصُولُهَا، وَدَوَّنْت الدِّيوَانَ أَيْ وَضَعْته وَجَمَعْته، وَيُقَالُ إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ فِي الْعَرَبِ أَيْ رَتَّبَ الْجَرَائِدَ لِلْعُمَّالِ وَغَيْرِهَا كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ الْخَرَائِطُ الَّتِي فِيهَا السِّجِلَّاتُ وَالْمَحَاضِرُ وَغَيْرُهَا) أَيْ الدِّيوَانُ وَالْخَرَائِطُ جَمْعُ خَرِيطَةٍ مِثْلُ كَرِيمَةٍ وَكَرَائِمَ، وَهِيَ شِبْهُ كِيسٍ يُشْرَجُ مِنْ أَدِيمٍ وَخِرَقٍ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَهَذَا مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الدِّيوَانَ نَفْسُ السِّجِلَّاتِ وَالْمَحَاضِرِ لَا الْكِيسِ كَمَا أَفَادَهُ مِسْكِينٌ، وَالسِّجِلَّاتُ جَمْعُ سِجِلٍّ وَهُوَ لُغَةً كِتَابُ الْقَاضِي وَالْمَحَاضِرُ جَمْعُ مَحْضَرٍ، وَذَكَرَ الْعَلَامَة خُسْرو فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ أَنَّ الْمَحْضَرَ مَا كَتَبَ فِيهِ خُصُومَةَ الْمُتَخَاصِمِينَ عِنْدَ الْقَاضِي وَمَا جَرَى بَيْنَهُمَا مِنْ الْإِقْرَارِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ الْإِنْكَارِ فِيهِ، وَالْحُكْمُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ عَلَى وَجْهٍ يَرْفَعُ الِاشْتِبَاهَ، وَكَذَا السِّجِلُّ وَالصَّكُّ مَا كُتِبَ فِيهِ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ وَالْإِقْرَارُ وَغَيْرُهَا وَالْحُجَّةُ وَالْوَثِيقَةُ مُتَنَاوِلَانِ الثَّلَاثَةَ اهـ.
وَفِي الْعُرْفِ الْآنَ السِّجِلُّ مَا كَتَبَهُ الشَّاهِدَانِ فِي الْوَاقِعَةِ، وَبَقِيَ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَيْسَ عَلَيْهِ خَطُّ الْقَاضِي وَالْحُجَّةُ مَا نُقِلَ مِنْ السِّجِلِّ مِنْ الْوَاقِعَةِ وَعَلَيْهِ عَلَامَةُ الْقَاضِي أَعْلَاهُ وَخَطُّ الشَّاهِدَيْنِ أَسْفَلَهُ وَأُعْطِيَ لِلْخَصْمِ، وَفِي قَوْلِهِ إنْ دُونَ إذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تَقَلُّدَهُ نَادِرٌ غَيْرُ كَائِنٍ لَا يَتَقَلَّدُهُ إلَّا مَغْرُورٌ بِحَدِيثِ النَّفْسِ إلَيْهِ، أَشَارَ مِسْكِينٌ وَأَرَادَ بِغَيْرِهَا مُحَاسِبَاتِ الْأَوْقَافِ وَكُلَّ شَيْءٍ كَانَ فِيهِ مَصَالِحُ النَّاسِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْقَاضِي الْمَعْزُولِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْوَرَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ مَالِ أَرْبَابِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الصفحة 299
316