كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 6)

وَالْعُلْوَ كَيْ لَا يَهْرَبَ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّالِحُونَ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ فَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ يَسْكُنُ دَارًا بِأُجْرَةٍ، وَامْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ اخْتَلَفُوا فِي تَسْمِيرِ الْبَابِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُسَمَّرُ وَالتَّسْمِيرُ الضَّرْبُ بِالْمَسَامِيرِ اهـ.
فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً فَسَمَّرَهَا الْحَاكِمُ لِأَجْلِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لِلْبَاقِي أَنْ يَرْفَعُوا الْأَمْرَ إلَيْهِ لِيَرْفَعَ الْمَسَامِيرَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْعَدْلِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِيهَا لِلسُّلْطَانِ الْخَتْمُ عَلَى بَابِ الْمَدْيُونِ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَارَ فِي بَيْتِهِ تَضْيِيقًا عَلَيْهِ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ. اهـ.
فَعَلَى هَذَا لَهُ وَضْعُهُ فِي الْجَاوِيشِ فِي زَمَانِنَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَسْتَعِينُ بِأَعْوَانِ الْوَالِي عَلَى الْإِحْضَارِ وَأُجْرَةُ الْأَشْخَاصِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقِيلَ عَلَى الْمُتَمَرِّدِ فِي الْمِصْرِ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ إلَى دِرْهَمٍ وَفِي الْخَارِجِ لِكُلِّ فَرْسَخٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةٌ وَأُجْرَةُ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْمُدَّعِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ الْمُشَخَّصُ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِمُلَازَمَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ الذَّهَابَ إلَى بَابِ السُّلْطَانِ وَالِاسْتِعَانَةَ بِأَعْوَانِهِ أَوَّلًا لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ قَبْلَ الْعَجْزِ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ بِالْقَاضِي لَكِنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ إلَّا إذَا عَجَزَ الْقَاضِي، وَإِذَا ثَبَتَ تَمَرُّدُهُ عَنْ الْحُضُورِ عَاقَبَهُ بِقَدْرِهِ، وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الِاخْتِلَافَ فِي قَبُولِ الْقَاضِي الْقِصَاصَ مِنْ الْخُصُومِ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهَا إذَا جَلَسَ لِلْقَضَاءِ، وَإِلَّا أَخَذَهَا ثُمَّ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي أَنَّ الْقَاضِيَ يُؤَاخَذُ بِمَا كَتَبَ فِيهَا، وَالْمَذْهَبُ لَا إلَّا إذَا أَقَرَّ بِلَفْظِهِ صَرِيحًا وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا صَالِحًا عَفِيفًا وَيُقْعِدَهُ بِحَيْثُ يَرَاهُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ لَا ذِمِّيًّا وَلَا عَبْدًا وَلَا صَبِيًّا وَلَا مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَيَكْتُبُ الْخُصُومَةَ وَيَجْعَلُهَا فِي قِمَطْرِهِ، وَيَجْعَلُ لِكُلِّ شَهْرٍ قِمَطْرًا.

(قَوْلُهُ وَيَرُدُّ هَدِيَّةً إلَّا مِنْ قَرِيبٍ أَوْ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِ) أَيْ لَا يَقْبَلُ الْقَاضِي هَدِيَّةً لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ «اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا» قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــQامْتِنَاعُ الْخَصْمِ بِلَا عُذْرٍ وَلَوْ كَانَ عُذْرًا يُبِيحُ تَرْكَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَأَصْحَابُنَا لَمْ يُجَوِّزُوا الْهُجُومَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَتَرَكُوا إلَخْ) أَيْ أَصْحَابَ نَبِيِّنَا (قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ الْأَشْخَاصِ فِي بَيْتِ الْمَالِ) قَالَ فِي لِسَانِ الْحُكَّامِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْصِبَ إنْسَانًا حَتَّى يُقْعِدَ النَّاسَ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي وَيُقِيمَهُمْ وَيُقْعِدَ الشُّهُودَ وَيُقِيمَهُمْ وَيَزْجُرَ مَنْ يُسِيءُ الْأَدَبَ وَيُسَمَّى صَاحِبَ الْمَجْلِسِ وَالْجِلْوَازَ أَيْضًا، وَأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْمُدَّعِي شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ لَهُ بِإِقْعَادِ الشُّهُودِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ لَا يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمَيْنِ وَلِلْوُكَلَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا مِمَّنْ يَعْمَلُونَ لَهُ مِنْ الْمُدَّعِينَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ لَا يَأْخُذُ لِكُلِّ مَجْلِسٍ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمَيْنِ وَالرَّجَّالَةُ يَأْخُذُونَ أُجُورَهُمْ مِمَّنْ يَعْمَلُونَ لَهُ، وَهُمْ الْمُدَّعُونَ لَكِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ فِي الْمِصْرِ نِصْفَ دِرْهَمٍ إلَى دِرْهَمٍ، وَإِذَا خَرَجُوا إلَى الرَّسَاتِيقِ لَا يَأْخُذُونَ لِكُلِّ فَرْسَخٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةٍ هَكَذَا، وَضَعَهُ الْعُلَمَاءُ الْأَتْقِيَاءُ الْكِبَارُ وَهِيَ أُجُورُ أَمْثَالِهِمْ وَأُجْرَةُ الْكَاتِبِ عَلَى مَنْ يَكْتُبُ لَهُ الْكِتَابَةَ وَأُجْرَةُ النُّوَّابِ عَلَى الْقَاضِي، وَإِذَا بَعَثَ أَمِينًا لِلتَّعْدِيلِ فَالْجُعْلُ عَلَى الْمُدَّعِي كَالصَّحِيفَةِ. قَالَ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ التُّرْكُمَانِيُّ مُؤْنَةُ الرَّجَّالَةِ عَلَى الْمُدَّعِي فِي الِابْتِدَاءِ فَإِذَا امْتَنَعَ فَعَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، كَانَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا مَالَ إلَيْهِ لِلزَّجْرِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُدَّعِي فِي الْحَالَيْنِ الْمُزَكِّي يَأْخُذُ الْأَجْرَ مِنْ الْمُدَّعِي، كَذَا الْمَبْعُوثُ لِلتَّعْدِيلِ اهـ. كَلَامُ الْقُنْيَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا ثَبَتَ تَمَرُّدُهُ عَنْ الْحُضُورِ عَاقَبَهُ بِقَدْرِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُحْضَرِ وَلَا قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَلَا النِّسَاءِ الْخُلَّصِ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَمَرُّدُهُ إلَّا بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ مَعَ الْمُشْخِصِ كَمَا يُفْهَمُ جَمِيعُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ فَلَوْ اخْتَفَى لَا يَثْبُتُ تَمَرُّدُهُ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَلَوْ امْتَنَعَ الْخَصْمُ عَنْ الْحُضُورِ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ عَزَّرَهُ بِمَا يَرَى مِنْ ضَرْبٍ أَوْ سَفْعٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ تَعْبِيسِ وَجْهٍ عَلَى مَا يَرَاهُ اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فَإِنْ عَرَضَ الطِّينَةَ وَامْتَنَعَ الْخَصْمُ يَقُولُ لَهُ هَلْ تَعْرِفُهُ أَنَّهُ الْقَاضِي فَإِنْ قَالَ نَعَمْ أَشْهَدُ عَلَيْهِ فَإِنْ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي عَاقَبَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَسْتَعِينُ بِأَعْوَانِ الْوَالِي عَلَى الْإِحْضَارِ اهـ وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ إذَا هَرَبَ الْغَرِيمُ مِنْ الرَّسُولِ وَعَجَزَ عَنْهُ الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّسُولِ فِي ذَلِكَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَكِنْ إذَا لَمْ يَعْلَمْ هُرُوبَهُ إلَّا بِقَوْلِهِ يُؤَدَّبُ عَلَى التَّفْرِيطِ لَهُ. اهـ.
وَمَوْضُوعُ السُّؤَالِ فِي رَجُلٍ ثَبَتَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ الْقَاضِي بِالتَّرْسِيمِ مَعَ رَسُولٍ لِيَرْضَى خَصْمُهُ بِالدَّفْعِ أَوْ بِالسِّجْنِ.
(قَوْلُهُ وَيَجْعَلُهَا فِي قِمَطْرِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْقِمَطْرُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الطَّاءِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقِمَطْرُ كَسِجِلٍّ وَالْقِمَطْرِيُّ وَالْقِمَطْرَةُ بِالتَّشْدِيدِ شَاذٌّ.

(قَوْلُهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بِلَامٍ مَضْمُومَةٍ وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَخُطِّئَ وَتَاءٍ مُثَنَّاةٍ سَاكِنَةٍ، وَحَكَى الْمُنْذِرِيُّ تَحْرِيكَهَا قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ بَنُو لُتْبٍ بَطْنٌ مِنْ الْأَزْدِ وَيُقَالُ الْأَتْيَةُ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَسُكُونِ التَّاءِ قَالَ وَتُحَرَّكُ، ثُمَّ قِيلَ إنَّهَا اسْمُ أُمِّهِ عُرِفَ بِهَا وَكَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ كَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي التَّنْقِيحِ لِأَلْفَاظِ الْجَامِعِ الصَّحِيحِ

الصفحة 304