كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 6)

فَإِنْ ادَّعَى الْمَدْيُونُ أَنَّهُ لَزِمَهُ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ وَادَّعَى الدَّائِنُ أَنَّهُ ثَمَنُ مَتَاعٍ لَمْ يَذْكُرْهَا الْأَصْحَابُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَ الْمَدْيُونِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ رَبُّ الدَّيْنِ الْبَيِّنَةَ اهـ.
وَفِي نَفَقَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ عَلَى يَسَارِهِ، وَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ مِنْ جِيرَانِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، وَإِنْ سَأَلَ كَانَ حَسَنًا فَإِنْ سَأَلَ فَأَخْبَرَهُ عَدْلَانِ بِيَسَارِهِ ثَبَتَ الْيَسَارُ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ الْيَسَارُ بِالْإِخْبَارِ، وَإِنْ قَالَا سَمِعْنَا أَنَّهُ مُوسِرٌ أَوْ بَلَغَنَا ذَلِكَ لَا يَقْبَلُهُ الْقَاضِي اهـ.
وَلَوْ قَالَ الْمَدْيُونُ حَلِّفْهُ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنِّي مُعْسِرٌ يُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ، وَيُحَلِّفُهُ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ إعْسَارَهُ فَإِنْ حَلَفَ حَبَسَهُ بِطَلَبِهِ، وَإِنْ نَكَلَ لَا يَحْبِسُهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْحَلْوَانِيِّ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ غِنَاهُ قُدْرَتُهُ الْآنَ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَوْ كَانَ لِلْمَحْبُوسِ مَالٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ يُطْلِقُهُ بِكَفِيلٍ فَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي عُسْرَتَهُ لَكِنْ لَهُ مَالٌ عَلَى آخَرَ يَتَقَاضَى غَرِيمُهُ فَإِنْ حَبَسَ غَرِيمُهُ الْمُوسِرَ لَا يَحْبِسُهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقِيَاسُ الْأُولَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ لَا يَحْبِسُهُ، وَقَوْلُهُ بِمَا رَأَى أَيْ لَا تَقْدِيرَ لِمُدَّةِ حَبْسِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ لِلضَّجَرِ وَالتَّسَارُعِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ مُتَفَاوِتَةٌ وَقَدَّرَهُ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ بِشَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بِأَرْبَعَةٍ وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ بِنِصْفِ الْحَوْلِ.
وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَلَوْ رَأَى الْقَاضِي إطْلَاقَهُ بَعْدَ يَوْمٍ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ إنْ شَاءَ يَسْأَلُ عَنْهُ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ اهـ.
وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيِّنًا أَوْ صَاحِبَ عِيَالٍ وَشَكَا عِيَالُهُ إلَى الْقَاضِي حَبَسَهُ شَهْرًا، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ وَقِحًا حَبَسَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ، هَذَا إذَا كَانَ حَالُهُ مُشْكِلًا عِنْدَ الْقَاضِي، إلَّا عَمِلَ بِمَا ظَهَرَ لَهُ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ) أَيْ يَسْأَلُ الْقَاضِيَ عَنْ الْمَحْبُوسِ بَعْدَ حَبْسِهِ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ مِنْ جِيرَانِهِ فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إعْسَارِهِ أَطْلَقَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَشَرَطَهُ فِي الصُّغْرَى وَالْعَدْلُ الْوَاحِدُ يَكْفِي وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُخْبِرُ إنَّ حَالُ الْمُعْسِرِينَ فِي نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَحَالَتُهُ ضَيِّقَةٌ، وَقَدْ اُخْتُبِرْنَا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِسَمَاعِهَا حُضُورُ رَبِّ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا سَمِعَهَا، أَطْلَقَهُ بِكَفِيلٍ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ: الْمَسْتُورُ كَالْعَدْلِ، أَمَّا الْفَاسِقُ فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ، وَتَعَقَّبَ الزَّيْلَعِيُّ فِي ذِكْرِ الْعَدَالَةِ، أَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِ لَا أَنَّهُ نَقَلَ الْمَذْهَبَ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَإِنَّمَا يَسْأَلُ مِنْ الثِّقَاتِ اهـ.
وَهُمْ الْعُدُولُ فَلَيْسَ ذِكْرُهَا مِنْ كَلَامِهِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الْوَاحِدَ يَكْفِي مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالُ حَالَ مُنَازَعَةٍ أَمَّا إذَا كَانَ حَالَ مُنَازَعَةٍ بِأَنْ ادَّعَى الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ وَادَّعَى الطَّالِبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَدَلَ مَالٍ لَا فِي غَيْرِهِ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَنُقِلَ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ أُخَرَ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُدَّعِي فِيمَا كَانَ بَدَلَ مَالٍ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْكَفَالَةِ وَعَنْ بَعْضِ الْكُتُبِ الْقَوْلُ لِلْمُدَّعِي فِيمَا الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ بَاشَرَهُ لَا بِمَا لَزِمَهُ حُكْمًا بِدُونِ مُبَاشَرَةِ عَقْدٍ. قَالَ وَهَذَا يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَا كَانَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ قُلْتُ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الِالْتِزَامَ بِعَقْدٍ يَشْمَلُ قَوْلَهُمْ مَا كَانَ بَدَلَ مَالٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَهُمْ الْمَهْرَ مَعَ بَدَلِ الْخُلْعِ يُشْعِرُ بِاتِّحَادِ حُكْمِهِمَا عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ فَمَنْ قَالَ إنَّ مَا لَيْسَ بَدَلَ مَالٍ كَالْمَهْرِ يَصْدُقُ فِيهِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْخُلْعَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَزِمَهُ بِعَقْدٍ بَاشَرَهُ، وَالْعِلَّةُ تَشْمَلُهُمَا فَإِنَّ هَذَا الْقَائِلَ يَقُولُ مَا قَبَضَهُ مِنْ الْمَبِيعِ وَالْقَرْضِ دَلِيلُ يَسَارِهِ بِخِلَافِ مَا الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ، وَمَنْ قَالَ إنَّ مَا الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ كَذَلِكَ يَقُولُ إنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْعَقْدِ دَلِيلُ قُدْرَتِهِ فَاعْتَبَرَ هَذَا الْقَائِلُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْعَقْدِ دَلِيلًا لِلْقُدْرَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخُلْعَ كَذَلِكَ، وَلِذَا فَصَلَ بَيْنَ الْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ وَالْمُؤَجَّلِ فَإِنَّ الْمُؤَجَّلَ لَا يُعْتَبَرُ دَلِيلًا عَلَى الْقُدْرَةِ لِعَدَمِ الْتِزَامِ دَفْعِهِ حَالًّا بِخِلَافِ الْمُعَجَّلِ نَعَمْ يَبْقَى الْإِشْكَالُ فِي بَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَإِنَّهُ مُلْتَزَمٌ بِعَقْدٍ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ دَلِيلَ الْقُدْرَةِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ إحْيَاءً لِنَفْسِهِ لِيَدْفَعَ عَنْهَا الْقِصَاصَ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكْرَهِ عَلَى ذَلِكَ الْعَقْدِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ قُدْرَتُهُ عَلَى مَا الْتَزَمَهُ بِهِ. (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ إنْ شَاءَ سَأَلَ عَنْهُ إلَخْ) وَمِثْلُهُ مَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بَعْدَ ذِكْرِ التَّقْدِيرِ هَذَا إذَا أُشْكِلَ عَلَى أَمْرِهِ أَفَقِيرٌ أَمْ غَنِيٌّ أَمَّا إذَا لَمْ يُشْكِلْ أَمْرُهُ سَأَلْت عَنْهُ عَاجِلًا يَعْنِي إذَا كَانَ ظَاهِرَ الْفَقْرِ أَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِفْلَاسِ وَأُخْلِي سَبِيلَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ وَقِحًا) سَيَأْتِي تَفْسِيرُ الْوَقَاحَةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَبَيِّنَةُ الْيَسَارِ أَحَقُّ (قَوْلُهُ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ وَالْمَسْتُورُ كَالْعَدْلِ) أَقُولُ: نَصُّ عِبَارَتِهِ بَعْدَ تَعَقُّبِهِ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ الْآتِي وَالْأَحْسَنُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ رَأْيُ الْقَاضِي مُوَافِقًا لِقَوْلِ هَذَا الْوَاحِدِ الْمَسْتُورِ فِي الْعُسْرَةِ يَقْبَلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا بِمَعْنَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا رَأْيَ لَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ فِي حَالِ هَذَا الْمَحْبُوسِ لَا مِنْ جِهَةِ الْعُسْرَةِ وَلَا الْيَسْرَةِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ بِالْعُسْرَةِ عَدْلًا كَمَا قَالُوا فِي الْإِخْبَارِ بِالْعَزْلِ عَنْ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ إذَا أَخْبَرَ الْوَكِيلَ فَاسِقٌ بِالْعَزْلِ وَصَدَّقَهُ الْوَكِيلُ فِيمَا أَخْبَرَهُ بِهِ مِنْ الْعَزْلِ أَنَّهُ يُعْزَلُ. (قَوْلُهُ فَلَيْسَ ذِكْرُهَا مِنْ كَلَامِهِ) قُلْتُ: بَلْ قَدْ رَأَيْت

الصفحة 311