كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 6)
وَصَاحِبِهِ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَالَ وَخَلَّاهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا ثِقَةً بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ وَلَوْ مَاتَ الطَّالِبُ وَالْقَاضِي الَّذِي حَبَسَهُ وَارِثُهُ لَا غَيْرُ قَالَ بَعْضُهُمْ يُخَلَّى سَبِيلُهُ كَيْ لَا يَتَّهِمَهُ النَّاسُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِتَرْكِهِ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ اهـ.
قَوْلُهُ (وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ) أَيْ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ مُلَازَمَتِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا بِالْمَنْعِ عَنْهَا لِكَوْنِهِ مُنْظَرًا بِإِنْظَارِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ أَقْوَى مِنْ إنْظَارِ الْعَبْدِ بِالتَّأْجِيلِ، وَمَعَهُ لَا مُلَازَمَةَ وَلَهُ أَنَّهُ مُنْظَرٌ إلَى قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيفَاءِ وَهُوَ مُمْكِنٌ كُلَّ حِينٍ فَيُلَازِمُونَهُ كَيْ لَا يُخْفِيَهُ، وَالدَّيْنُ حَالٌّ بِخِلَافِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ قَبْلَ مُضِيِّهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَدْيُونُ قَادِرًا فَظَهَرَ الْفَرْقُ، وَبَطَلَ الْقِيَاسُ وَلِذَا قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ إنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُهُ دَائِمًا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَأَحْسَنُ الْأَقَاوِيلِ فِي الْمُلَازَمَةِ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ يُلَازِمُهُ فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى أَهْلِهِ وَلَا مِنْ الْغَدَاءِ وَلَا مِنْ الْعَشَاءِ وَلَا مِنْ الْوُضُوءِ وَالْخَلَاءِ، وَلَهُ أَنْ يُلَازِمَهُ بِنَفْسِهِ وَإِخْوَانِهِ وَوَلَدِهِ وَمَنْ أَحَبَّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الرَّأْيَ فِيهِ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ إنْ شَاءَ لَازَمَهُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ بِغَيْرِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْمَدْيُونِ فِي رَأْيِهِ وَفِي الْمُحِيطِ قَالُوا لَا يُلَازِمُهُ بِاللَّيَالِيِ؛ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ لَيْسَتْ بِوَقْتِ الْكَسْبِ فَلَا يُتَوَهَّمُ وُقُوعُ الْمَالِ فِي يَدِهِ فِي اللَّيَالِي فَالْمُلَازَمَةُ لَا تُفِيدُ حَتَّى لَوْ كَانَ الرَّجُلُ يَكْتَسِبُ فِي اللَّيَالِي، قَالُوا يُلَازِمُهُ فِي اللَّيَالِي هَكَذَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا يُلَازِمُهُ فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ حَبْسٌ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ لِغَائِطٍ أَوْ غَدَاءٍ إلَّا إذَا أَعْطَاهُ الدَّائِنُ، وَأَعَدَّ لَهُ مَكَانًا لِلْغَائِطِ وَإِنْ كَانَ عَمَلُ الْمَدْيُونِ السَّقْيَ وَلَا يَمْنَعُهُ اللُّزُومَ مِنْ ذَلِكَ لَازَمَهُ إلَّا إذَا أَعْطَاهُ نَفَقَتَهُ وَنَفَقَةَ عِيَالِهِ فَلَهُ إذَا مَنَعَهُ مِنْ السَّعْيِ لَوْ أَبَى الْمَدْيُونُ مُلَازَمَةَ الْغَرِيمِ، وَقَالَ اجْلِسْ مَعَ الدَّائِنِ لَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلدَّائِنِ أَنْ يُجْلِسَهُ فِي الشَّمْسِ أَوْ عَلَى الثَّلْجِ أَوْ فِي مَكَان يَتَضَرَّرُ بِهِ، وَلَوْ طَلَبَ الْمَطْلُوبُ الْحَبْسَ وَالطَّالِبُ الْمُلَازَمَةَ لَازَمَهُ وَمُلَازَمَةُ الْمَرْأَةِ أَنْ تُلَازِمَهَا امْرَأَةٌ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ حَبَسَهَا فِي بَيْتٍ مَعَ امْرَأَةٍ، وَجَلَسَ هُوَ عَلَى الْبَابِ أَوْ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ نَفْسِهَا وَهُوَ عَلَى الْبَابِ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ الْمَرْأَةُ يُلَازِمُهَا الرِّجَالُ بِالنَّهَارِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَخَافُ عَلَيْهَا الْفَسَادَ وَلَا يَخْلُونَ بِهَا وَبِاللَّيْلِ يُلَازِمُهَا النِّسَاءُ وَفِي الْوَاقِعَاتِ عَلَيْهَا حَقٌّ لَهُ أَنْ يُلَازِمَهَا وَيَجْلِسَ مَعَهَا وَيَقْبِضَ عَلَى ثِيَابِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ فَإِنْ هَرَبَتْ إلَى خَرِبَةٍ إذَا كَانَ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ يَدْخُلُ عَلَيْهَا، وَيَكُونُ بَعِيدًا مِنْهَا لِحِفْظِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ ضَرُورَةً فِي هَذِهِ الْخَلْوَةِ كَمَا قَالُوا فِيمَنْ هَرَبَ بِمَتَاعِ إنْسَانٍ، وَدَخَلَ دَارِهِ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَقِيبَهُ لِيَأْخُذَ حَقَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا وَلَمْ يَجْلِسْ الْقَاضِي أَيَّامًا لَازَمَ خَصْمَهُ أَيَّامًا وَإِنْ طَالَ اهـ.
وَفِي الْهِدَايَةِ لَوْ اخْتَارَ الْمَطْلُوبُ الْحَبْسَ وَالطَّالِبُ الْمُلَازَمَةَ فَالْخِيَارُ لِلطَّالِبِ إلَّا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ بِالْمُلَازَمَةِ يَدْخُلُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ بِأَنْ لَا يُمْكِنَهُ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَجُوزُ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ لِمُلَازَمَةِ الْغَرِيمِ قَالَ الْقَاضِي الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُلَازِمُهُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ بُنِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِهِ يُفْتَى وَفِيهَا أَيْضًا إنْ كَانَ فِي مُلَازَمَةِ الْغَرِيمِ، ذَهَابُ قُوتِهِ كُلِّفَ أَنْ يُقِيمَ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ، ثُمَّ يُخَلِّي سَبِيلَهُ وَلِلطَّالِبِ مُلَازَمَةُ الْغَرِيمِ بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي إنْ كَانَ مُقِرًّا بِحَقِّهِ.
قَوْلُهُ (وَرَدُّ الْبَيِّنَةِ عَلَى إفْلَاسِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ) ؛ لِأَنَّهَا بَيِّنَةُ نَفْيٍ فَلَا تُقْبَلُ مَا لَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ، وَهُوَ الْحَبْسُ وَبَعْدَهُ تُقْبَلُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ هُوَ مَا اخْتَارَهُ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَبُولُهَا وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَنُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفَوَّضًا إلَى الْقَاضِي إنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَقِحٌ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ قَبْلَ الْحَبْسِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيِّنٌ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَفَسَّرَ الطَّرَسُوسِيُّ الْوَقَاحَةَ بِالْإِغْلَاظِ عَلَى الْمُدَّعِي فِي الْقَوْلِ، وَاللِّينَ بِالتَّلَطُّفِ فِيهِ وَنَظِيرُهُ مَا قَالَ الْخَصَّافُ فِي تَعْيِينِ مُدَّةِ الْحَبْسِ إنْ كَانَ الْمَدْيُونُ سَمْحًا يَأْخُذُ الْقَاضِي بِرِوَايَةِ الْكَفَالَةِ مِنْ التَّقْدِيرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَحْبُوسُ لِإِفْلَاسِهِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ آخَرُ مَالًا وَادَّعَى أَنَّهُ مُعْسِرٌ لَا يَحْبِسُهُ حَتَّى يَعْلَمَ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَارِثُهُ) أَيْ وَارِثُ الطَّالِبِ.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَرَدَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى إفْلَاسِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا إذَا كَانَ أَمْرُهُ مُشْكِلًا أَمَّا إذَا كَانَ فَقْرُهُ ظَاهِرًا يَسْأَلُ الْقَاضِيَ عَنْهُ عَاجِلًا، وَيَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِفْلَاسِ وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ بِحَضْرَةِ خَصْمِهِ اهـ.
وَوَقَعَ التَّقْيِيدُ بِإِشْكَالِ أَمْرِهِ فِي عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهُ قَوْلَهُ: ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ وَقَدَّمَ هُنَاكَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ مَا هُنَا هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ
الصفحة 313
316