كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 7)

فِي الِاخْتِيَارِ وَلَوْ وُهِبَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا فَقَالَ قَبَضْته صَارَ قَابِضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَجُعِلَ تَمَكُّنُهُ مِنْ الْقَبْضِ كَالْقَبْضِ كَالتَّخْلِيَةِ فِي الْبَيْعِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ فِي يَدِهِ. اهـ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ لَا فِي الْمَجْلِسِ وَلَا بَعْدَهُ لِأَنَّ صِحَّةَ قَبْضِهِ فِي الْمَجْلِسِ لِأَجْلِ أَنَّهُ أَذِنَ بِهِ دَلَالَةً لِتَسْلِيطِهِ عَلَيْهِ بِهَا فَإِذَا نَهَاهُ كَانَ صَرِيحًا وَهُوَ يَفُوقُهَا وَلَوْ وَهَبَ لِرَجُلٍ ثِيَابًا فِي صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ وَدَفَعَ إلَيْهِ الصُّنْدُوقَ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا وَإِنْ كَانَ الصُّنْدُوقُ مَفْتُوحًا كَانَ قَبْضًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْقَبْضُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ

(قَوْلُهُ فِي مَحُوزٍ مَقْسُومٍ وَمُشَاعٍ لَا يُقَسَّمُ) أَيْ تَجُوزُ الْهِبَةُ فِيمَا ذُكِرَ قَيَّدَ بِالْمَحُوزِ لِأَنَّ الْمُتَّصِلَ كَالثَّمَرَةِ عَلَى الشَّجَرِ لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ وَقَيَّدَ الْمُشَاعَ بِمَا لَمْ يُقَسَّمْ لِأَنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ الَّذِي تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ لَا يَصِحُّ وَأَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْهِبَةَ مِنْ الشَّرِيكِ مُشَاعًا يُقَسَّمُ قَيَّدَ بِالْهِبَةِ لِأَنَّ بَيْعَ الشَّائِعِ جَائِزٌ فِيمَا يُقَسَّمُ وَمَا لَا يُقَسَّمُ وَأَمَّا إجَارَتُهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ الشَّرِيكِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ فَاسِدَةٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِبُطْلَانِهَا فَلَمْ يُوجِبْ شَيْئًا وَأَمَّا الشُّيُوعُ الطَّارِئُ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ وَأَمَّا إعَارَتُهُ فَجَائِزَةٌ إنْ كَانَتْ مِنْ شَرِيكِهِ وَإِلَّا فَإِنْ سَلَّمَ الْكُلَّ فَهِيَ إعَارَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِلْكُلِّ وَإِلَّا لَا يُجْبَرُ وَأَمَّا رَهْنُهُ فَهُوَ فَاسِدٌ فِيمَا يَنْقَسِمُ أَوْ لَا مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِخِلَافِ الرَّهْنِ مِنْ اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَأَمَّا وَقْفُهُ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِيمَا يَحْتَمِلُهَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُهَا فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا وَأَفْتَى الْكَثِيرُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَاخْتَارَ مَشَايِخُ بَلْخٍ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا وَدِيعَتُهُ فَجَائِزَةٌ وَتَكُونُ مَعَ الشَّرِيكِ وَأَمَّا قَرْضُهُ فَجَائِزٌ كَمَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا وَقَالَ خَمْسَمِائَةٍ قَرْضًا وَخَمْسَمِائَةٍ شِرْكَةً كَذَا فِي النِّهَايَةِ هُنَا.
وَأَمَّا غَصْبُهُ فَمُتَصَوَّرٌ قَالَ الْبَزَّازِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَذَكَرَ لَهُ فِي الْفُصُولِ صُوَرًا وَأَمَّا صَدَقَتُهُ فَكَهِبَتِهِ إلَّا إذَا تَصَدَّقَ بِالْكُلِّ عَلَى اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ تُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِالْقِسْمَةِ لِأَنَّهَا لَا تُمْكِنُ وَأَمَّا الْمُهَايَأَةُ فَلَا تَجِبُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا إعَارَةٌ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِيرُ مُعِيرًا نَصِيبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَالْجَبْرُ عَلَى الْإِعَارَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَفِي رِوَايَةٍ تَجِبُ ثُمَّ الْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهَا أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْآخَرُ فَإِنْ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَ الْآبِي عَلَى الْقِسْمَةِ فَهُوَ مِمَّا يَحْتَمِلُهَا كَالدَّارِ وَالْبَيْتِ الْكَبِيرِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُجْبِرُهُ فَهُوَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُهَا كَالْعَبْدِ وَالْحَمَّامِ وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ وَالْحَائِطِ وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ هِبَةِ الْمُشَاعِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُهَا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا مَعْلُومًا حَتَّى لَوْ وَهَبَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهَا جَهَالَةٌ تُوجِبُ الْمُنَازَعَةَ وَمِمَّا لَا يَحْتَمِلُهَا الدِّرْهَمُ الصَّحِيحُ حَتَّى لَوْ وَهَبَ دِرْهَمًا صَحِيحًا لِرَجُلَيْنِ صَحَّ.
وَلَوْ كَانَ مَعَهُ دِرْهَمَانِ فَقَالَ لِرَجُلٍ وَهَبْت لَك دِرْهَمًا مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ لَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ إلَّا أَنْ يُفْرِزَ أَحَدَهُمَا وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ يَجُوزُ لِعَدَمِ احْتِمَالِهِمَا فَأَمَّا فِي الْمُقَطَّعَةِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا بِالْإِفْرَازِ وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا لِهَذَا الْعَبْدِ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا تَصِحُّ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُهَا صَحَّتْ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَلَوْ وَهَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ لِآخَرَ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا لَمْ يَصِحَّ لِاحْتِمَالِهِ الْقَسْمَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا صَحَّ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَحْتَمِلُهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الصِّحَاحِ يُقَالُ سَهْمٌ شَائِعٌ أَيْ غَيْرُ مَقْسُومٍ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالشُّيُوعِ الْمَانِعِ الشُّيُوعَ الْمُقَارِنَ لِلْعَقْدِ لَا الطَّارِئَ كَأَنْ يَرْجِعَ الْوَاهِبُ فِي بَعْضِ الْهِبَةِ شَائِعًا فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُهَا أَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فَيُفْسِدُ الْكُلَّ لِأَنَّهُ مُقَارِنٌ لَا طَارِئٌ قَيَّدْنَا بِالْهِبَةِ لِأَنَّ الرَّهْنَ يُبْطِلُهُ الشُّيُوعُ الطَّارِئُ كَالْمُقَارِنِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ

(قَوْلُهُ فَإِنْ قَسَمَهُ وَسَلَّمَهُ صَحَّ) أَيْ لَوْ وَهَبَ مُشَاعًا يُقَسَّمُ ثُمَّ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ صَحَّ وَمَلَّكَهُ لِأَنَّ التَّمَامَ بِالْقَبْضِ وَعِنْدَهُ لَا شُيُوعَ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ قَبَضَهُ مُشَاعًا لَا يَمْلِكُهُ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ لِأَنَّهَا هِبَةٌ فَاسِدَةٌ مَآلًا وَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِالْقَبْضِ وَلَا تُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ فَلَوْ بَاعَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَصِحُّ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ دِرْهَمَيْنِ إلَى رَجُلٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا هِبَةٌ لَك وَالْآخَرُ أَمَانَةٌ عِنْدَك فَهَلَكَا جَمِيعًا يَضْمَنُ دِرْهَمَ الْهِبَةِ وَهُوَ فِي الْآخَرِ أَمِينٌ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِلَافُ فِي الْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ فَأَمَّا الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ فَالتَّخْلِيَةُ لَيْسَتْ بِقَبْضٍ اتِّفَاقًا

(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمُهَايَأَةُ فَلَا تَجِبُ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الَّذِي يُفِيدُهُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْمُهَايَأَةِ لِأَنَّهَا قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ وَالتَّبَرُّعُ وَقَعَ فِي الْعَيْنِ فَيَكُونُ إيجَابًا فِي غَيْرِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ فَلَا يُبَالَى بِهِ وَإِنَّمَا الْمَحْظُورُ الْإِيجَابُ فِي عَيْنِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ وَقَالَ قَاضِي زَادَهْ بَعْدَ نَقْلٍ أَنَّ الْمُهَايَأَةَ لَا تَجِبُ مَعَ عِلَّتِهِ عَنْ صَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ لَعَلَّ هَذَا الْجَوَابَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ التَّهَايُؤَ يَجِبُ وَيَجْرِي فِيهِ جَبْرُ الْقَاضِي إذَا طَلَبَهُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ لَا سِيَّمَا فِيمَا لَا يُقَسَّمُ نُصَّ عَلَيْهِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ هِبَةِ الْمُشَاعِ إلَخْ) فِي الْهِنْدِيَّةِ لَوْ وَهَبَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ عَلِمَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَ الْإِمَامِ دُونَهُمَا وَفِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ لِفُلَانٍ يَكُونُ هِبَةً لَا تَجُوزُ بِدُونِ الْقَبْضِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي قَالَ وَهَبْت نَصِيبِي مِنْ هَذِهِ الدَّارِ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَعْلَمُ كَمْ نَصِيبُهُ صَحَّتْ اهـ.
وَلَعَلَّ الْمُتَفَاحِشَ جَهَالَتُهُ لَا تَصِحُّ هِبَتُهُ كَقَوْلِهِ وَهَبْتُك شَيْئًا مِنْ مَالِي أَوْ مِنْ كَذَا كَذَا بِخَطِّ السَّائِحَانِيِّ قُلْت وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِثْلُ مَا فِي الْمُنْيَةِ

الصفحة 286