كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 7)
حَالَ حَيَاتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ) وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ لَهُ عُمُرَهُ فَإِذَا مَاتَ يَرُدُّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ مَرْفُوعًا «الْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ»
[الرُّقْبَى]
(قَوْلُهُ لَا الرُّقْبَى) أَيْ إنْ مِتُّ قَبْلَك فَهِيَ لَك لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا «مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِمُعَمَّرِهِ مَحْيَاهُ وَمَمَاتَهُ لَا تَرْقُبُوا مَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا فَهُوَ سَبِيلُ الْمِيرَاثِ» فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَجَازَهَا أَبُو يُوسُفَ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ قِيَاسًا عَلَى الْعُمْرَى
(قَوْلُهُ وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْقَبْضِ وَلَا فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ فَإِنْ قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّدَقَةَ لِفَقِيرَيْنِ جَائِزَةٌ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِقَوْلِهِ وَصَحَّ تَصَدُّقُ عَشَرَةٍ لِفَقِيرَيْنِ قُلْت الْمُرَادُ هُنَا مِنْ الْمُشَاعِ أَنْ يَهَبَ بَعْضَهُ لِوَاحِدٍ فَقَطْ فَحِينَئِذٍ هُوَ مُشَاعٌ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِخِلَافِ الْفَقِيرَيْنِ فَإِنَّهُ لَا شُيُوعَ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَلَا رُجُوعَ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّدَقَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الثَّوَابُ وَقَدْ حَصَلَ وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْوَاهِبُ كَانَتْ هِبَةً وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ صَدَقَةً فَالْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ الثَّوَابَ لِكَثْرَةِ عِيَالِهِ وَكَذَا إذَا وَهَبَ لِفَقِيرٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّوَابُ وَقَدْ حَصَلَ وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ثُمَّ تَقَايَلَا الصَّدَقَةَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَقْبِضَ لِأَنَّهَا هِبَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِأَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِيهَا وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ إذَا كَانَتْ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَوْ تَنَاقَضَا الصَّدَقَةَ فَمَاتَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُتَصَدِّقُ فَالْمُنَاقَضَةُ بَاطِلَةٌ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي هِبَةٍ كَانَتْ الْمُنَاقَضَةُ جَائِزَةً لِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِيهَا فَإِذَا فَعَلَا شَيْئًا لَوْ تَقَدَّمَا إلَى الْقَاضِي فَعَلَهُ أَجْزَأَتْهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ. اهـ.
[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]
لَمَّا اشْتَرَكَتْ الْهِبَةُ وَالْإِجَارَةُ فِي مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَكَانَتْ الْهِبَةُ تَمْلِيكَ عَيْنٍ وَالْإِجَارَةُ تَمْلِيكَ مَنْفَعَةٍ قَدَّمَ تِلْكَ وَأَخَّرَ هَذِهِ لِكَوْنِ الْعَيْنِ أَقْوَى وَهِيَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ وَهِيَ مَا يُسْتَحَقُّ عَلَى عَمَلِ الْخَيْرِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الِاصْطِلَاحِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا فَتَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْعَارِيَّةِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَعَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِكَذَا أَوْ قَالَ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا وَقَبِلَ الْمُخَاطَبُ كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّعَاوُرِ وَالتَّدَاوُلِ وَهُوَ كَمَا يَكُونُ بِغَيْرِ عِوَضٍ يَكُونُ بِعِوَضٍ وَالتَّعَاوُرُ بِعِوَضٍ إجَارَةٌ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ حَيْثُ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَانَتْ إجَارَةً فَاسِدَةً وَلَا تَكُونُ عَارِيَّةً لِأَنَّهَا عَقْدٌ خَاصٌّ لِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَيْنَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَانَ بَاطِلًا أَوْ فَاسِدًا وَلَا تَكُونُ هِبَةً كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَلَوْ قَالَ وَهَبْتُك مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا بِكَذَا يَجُوزُ وَتَكُونُ إجَارَةً وَفِي الْفَتَاوَى لَوْ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْت مِنْك خِدْمَةَ عَبْدِك هَذَا شَهْرًا بِكَذَا فَهِيَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ أَعْطَيْتُك هَذَا الْعَبْدَ سَنَةً يَخْدُمُك بِكَذَا جَازَ وَتَكُونُ إجَارَةً وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك مَنَافِعَ الدَّارِ شَهْرًا بِكَذَا ذَكَرَ فِي الْعُيُونِ أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَعْدُومَةٌ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ.
وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ وَقَالَ الْحُرُّ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْتُك نَفْسِي شَهْرًا بِكَذَا لِعَمَلِ كَذَا فَهُوَ إجَارَةٌ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ تَنْعَقِدُ وَلَا تَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ الطَّوِيلَةُ بِالتَّعَاطِي لِأَنَّ الْأُجْرَةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ قَدْ يَجْعَلُونَ لِكُلِّ سَنَةٍ دَانِقًا وَقَدْ يَجْعَلُونَ طَسُّوجًا وَفِي غَيْرِ الطَّوِيلَةِ الْإِجَارَةُ تَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي الْكُلُّ مِنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ وَفَسَادِهَا وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ وَالْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَتَيْنِ لِأَنَّ جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَحُكْمُهَا وُقُوعُ الْمِلْكِ فِي الْبَدَلَيْنِ سَاعَةً فَسَاعَةً وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَغَيْرِهِ وَالسُّنَّةِ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ» وَالْإِجْمَاعِ.
(قَوْلُهُ هِيَ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ) يَعْنِي الْإِجَارَةَ شَرْعًا تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ بِعِوَضٍ فَخَرَجَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَالنِّكَاحُ فَإِنَّهُ اسْتِبَاحَةُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ لَا تَمْلِيكُهَا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابُ الْإِجَارَةِ)
(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ وَهَبْتُك مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا بِكَذَا يَجُوزُ وَتَكُونُ إجَارَةً) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهُ لَوْ أُضِيفَ الْعَقْدُ إلَى الْمَنَافِعِ لَا يَجُوزُ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ. اهـ.
قُلْت وَسَيَأْتِي عَنْ الْمُحَشِّيِّ نَقْلُ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَعَلَّ مَا هُنَا عَلَى أَحَدِهِمَا
الصفحة 297
316