كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 7)
فِيهَا مَا شَاءَ فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا زَرْعَيْنِ رَبِيعِيًّا وَخَرِيفِيًّا وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَلَا بَأْسَ بِاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ قَبْلَ رَيِّهَا إذَا كَانَتْ مُعْتَادَةً لِلرَّيِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَ مِنْ الْمَاءِ مَا يُزْرَعُ بِهِ بَعْضُهَا فَالْمُسْتَأْجِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْإِجَارَةَ كُلَّهَا وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَنْقُضْهَا وَكَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا رَوَى مِنْهَا اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا وَلَا يُمْكِنُهَا الزِّرَاعَةَ فِي الْحَالِ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى السَّقْيِ أَوْ كَرْيِ الْأَنْهَارِ أَوْ مَجِيءِ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ بِحَالٍ تُمْكِنُ الزِّرَاعَةُ فِي مُدَّةِ الْعَقْدِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا فِي الشِّتَاءِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَلَا يُمْكِنُ زِرَاعَتُهَا فِي الشِّتَاءِ وَجَازَ لِمَا أَمْكَنَ فِي الْمُدَّةِ أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهَا أَصْلًا بِأَنْ كَانَتْ سَبِخَةً فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَفِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِئْجَارِ فِي الشِّتَاءِ يَكُونُ الْأَجْرُ مُقَابَلًا بِكُلِّ الْمُدَّةِ لَا بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَحَسْبُ وَقِيلَ بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَرْضَ لَا يَنْحَصِرُ اسْتِئْجَارُهَا لِلزِّرَاعَةِ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ كَمَا يُوهِمُهُ الْمُتُونُ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الْأَرْضَ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَرَادَ بِغَيْرِ الزِّرَاعَةِ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَطَبْخِ الْآجُرِّ وَالْخَزَفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الِانْتِفَاعَاتِ بِالْأَرْضِ اهـ.
فَإِذَا عَرَفْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك صِحَّةُ الْإِجَارَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَانِنَا مِنْ أَنَّهُ تُسْتَأْجَرُ الْأَرْضُ مَقِيلًا وَمَرَاحًا قَاصِدِينَ بِذَلِكَ إلْزَامَ الْأُجْرَةِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ شَمِلَهَا الْمَاءُ وَأَمْكَنَ زِرَاعَتُهَا أَوْ لَا وَلَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْهَا لِلزِّرَاعَةِ بِخُصُوصِهَا حَتَّى يَكُونَ عَدَمُ رَيِّهَا فَسْخًا لَهَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيُلَبِّنَ فِيهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ ثُمَّ هِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ لِلتُّرَابِ قِيمَةٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَيَكُونُ اللَّبِنُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَاللَّبِنُ لَهُ وَضَمِنَ نُقْصَانَ الْأَرْضِ إنْ نَقَصَتْ.
وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَنَّ إجَارَةَ الْأَرْضِ الْمَشْغُولَةِ بِزَرْعِ الْغَيْرِ إنْ كَانَ الزَّرْعُ بِحَقٍّ بِأَنْ كَانَ بِإِجَارَةٍ لَا يَجُوزُ أَنْ تُؤَجَّرَ مَا لَمْ يُسْتَحْصَدْ الزَّرْعُ إلَّا أَنْ يُؤَجِّرَهَا مُضَافَةً إلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ لِأَنَّ الزَّرْعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَاجِبُ الْقَلْعِ فَإِنَّ الْمُؤَجِّرَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِ مَا أَجَرَهُ بِأَنْ يُجْبِرَ صَاحِبَ الزَّرْعِ عَلَى قَلْعِهِ سَوَاءٌ أُدْرِكَ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِصَاحِبِهِ فِي إبْقَائِهِ اهـ.
وَالدَّارُ الْمَشْغُولَةُ بِمَتَاعِ السَّاكِنِ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَأْجِرٍ تَصِحُّ إجَارَتُهَا وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ تَسْلِيمِهَا فَارِغَةً كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ أَجَرَ الْأَرْضَ الْمَزْرُوعَةَ ثُمَّ سَلَّمَهَا بَعْدَمَا فَرَغَ وَحَصَدَ يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ اسْتَأْجَرْت مِنْك الْأَرْضَ وَهِيَ فَارِغَةٌ وَقَالَ الْمُؤَجِّرُ لَا بَلْ هِيَ مَشْغُولَةٌ بِزَرْعِي يُحَكَّمُ الْحَالُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ الْقَوْلُ قَوْلُ الْآجِرِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَلِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ) أَيْ صَحَّ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ بِمَعْنَى الْمَغْرُوسِ وَقَدْ جَاءَ فِيهِ الْكَسْرُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ تُقْصَدُ بِالْأَرَاضِيِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَا يَجُوزُ لِمُسْتَأْجِرِ السَّبِيلِ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ غَرْفَةً لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَزِيدَ فِي الْأُجْرَةِ وَلَا يَضُرَّ بِالْبِنَاءِ وَإِنْ كَانَ مُعَطَّلًا غَالِبًا وَلَا يَرْغَبُ الْمُسْتَأْجِرُ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَازَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي الْأُجْرَةِ إذَا قَالَ الْقَيِّمُ أَوْ الْمَالِكُ لِمُسْتَأْجِرِهَا أَذِنْت لَك فِي عِمَارَتِهَا فَعَمَّرَهَا بِإِذْنِهِ يَرْجِعُ عَلَى الْقَيِّمِ وَالْمَالِكِ وَهَذَا إذًا يَرْجِعُ مُعْظَمُ مَنْفَعَتِهِ إلَى الْمَالِكِ أَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالدَّارِ كَالْبَالُوعَةِ أَوْ شَغْلِ بَعْضِهَا كَالتَّنُّورِ فَلَا مَا لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ ذَكَرَهُ فِي الْوَقْفِ (قَوْلُهُ فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَلَعَهُمَا وَسَلَّمَهَا فَارِغَةً) لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُمَا فَفِي إبْقَائِهِمَا إضْرَارٌ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ فَوَجَبَ الْقَلْعُ وَفِي الْقُنْيَةِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَقْفًا وَغَرَسَ فِيهَا أَوْ بَنَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ لِيُلَبِّنَ فِيهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ صَوَابُهُ مِنْهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ قَائِلًا لِوُقُوعِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْعَيْنِ
(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِمُسْتَأْجِرِ السَّبِيلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّ السَّبِيلَ هُوَ الْوَقْفُ عَلَى الْعَامَّةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَقْفًا وَغَرَسَ فِيهَا أَوْ بَنَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ذَكَرَهَا بَعْدَ أَنْ رَمَزَ (سم) (قع) لِإِسْمَاعِيلَ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ هُوَ بِالْمُعْجَمَةِ لِشَرَفِ الْأَئِمَّةِ الْمَكِّيِّ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَقَالَ فِيهَا قِيلَ لَهُمَا فَلَوْ أَبَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ إلَّا الْقَلْعَ هَلْ لَهُمْ ذَلِكَ قَالَ لَا وَقَدْ قَالُوا لَا تَعْوِيلَ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كُلِّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ مُخَالِفًا لِلْقَوَاعِدِ مَا لَمْ يُعَضِّدْهُ نَقْلٌ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ عَضَّدَ بِمَا فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ وَوَجْهُهُ إمْكَانُ رِعَايَةِ الْجَانِبَيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَعَلَيْهِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَوْ وَرَثَتِهِ الِاسْتِبْقَاءُ فَيَكُونُ مُخَصِّصًا لِكَلَامِ الْمُتُونِ وَوَجْهُهُ أَيْضًا عَدَمُ الْفَائِدَةِ فِي الْقَلْعِ إذْ لَوْ قَلَعَ لَا تُؤَجَّرُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ حَتَّى لَوْ حَصَلَ ضَرَرٌ مَا مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ بِأَنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ وَارِثُهُ مُفْلِسًا أَوْ سَيِّئَ الْمُعَامَلَةِ أَوْ مُتَغَلِّبًا يُخْشَى عَلَى الْوَقْفِ مِنْهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ يَجِبُ أَنْ لَا يُجْبَرَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ تَأَمَّلْ اهـ.
كَلَامُ الرَّمْلِيِّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ عِبَارَةِ الْمَتْنِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتُونِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ بَعْدَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ تَسْلِيمُ الْأَرْضِ لِلْمُؤَجِّرِ فَارِغَةً سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَرْضُ مِلْكًا أَوْ وَقْفًا فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُجْبِرَ الْمُؤَجِّرَ عَلَى أَنْ يُؤَجِّرَهَا مِنْهُ مُدَّةً ثَانِيَةً بِدُونِ رِضَاهُ وَاسْتَثْنَى فِي الْقُنْيَةِ أَرْضَ الْوَقْفِ إذَا بَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ فَلَهُ اسْتِبْقَاؤُهَا بِيَدِهِ مُدَّةً أُخْرَى بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ أَرْضِ الْوَقْفِ وَهُوَ إيجَارُهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ أَرْضَ الْوَقْفِ لَا يُمْكِنُ الْمُتَوَلِّي تَعْطِيلُهَا فَحَيْثُ كَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إيجَارِهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَرَضِيَ الْبَانِي وَالْغَارِسُ بِذَلِكَ كَانَ أَحَقَّ مِنْ غَيْرِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْخَبَرِ الرَّمْلِيِّ فِي فَتَاوِيهِ فَتَارَةً أَفْتَى بِهَذَا وَقَالَ بَعْدَمَا نَقَلَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْقُنْيَةِ وَالْخَصَّافِ مَا نَصُّهُ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ أَنَّ الشَّرْعَ يَأْبَى الضَّرَرَ
الصفحة 305
316