كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 8)

وَاسْتِقْرَاضُ الْأَشْجَارِ لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ قَرْضًا فَاسِدًا فَيُوجِبُ الْمِلْكَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْوَقْفِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ السَّبِيلِ لِيَبْنِيَ بِهِ غُرْفَةً لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَزِيدَ فِي الْأُجْرَةِ وَلَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ وَإِنْ كَانَ لَا يَرْغَبُ الْمُسْتَأْجِرُ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَقْفِ جَازَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي الْأُجْرَةِ إذَا قَالَ الْقَيِّمُ أَوْ الْمَالِكُ أَذِنْت لَهُ فِي عِمَارَتِهَا فَعَمَّرَ بِإِذْنِهِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْوَقْفِ هَذَا إذَا كَانَ يَرْجِعُ نَفْعُهُ إلَى الْوَقْفِ وَالْمَالِكِ وَإِنْ كَانَ يَرْجِعُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَفِيهِ ضَرَرٌ كَالْبَالُوعَةِ وَالتَّنُّورِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا شَرَطَ الرُّجُوعَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَلَعَهُمَا وَسَلَّمَهَا فَارِغَةً) يَعْنِي إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَلَعَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَسَلَّمَ الْأَرْضَ إلَى الْمُؤَجِّرِ فَارِغَةً؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَفْرِيغُهَا وَتَسْلِيمُهَا إلَى صَاحِبِهَا فَارِغَةً وَذَلِكَ بِقَلْعِهَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَايَةٌ تُعْلَمُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ لِلزِّرَاعَةِ وَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ حَيْثُ يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ إلَى الْحَصَادِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ لَهُ غَايَةً مَعْلُومَةً فَأَمْكَنَ مُرَاعَاةُ الْجَانِبَيْنِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُدَّةِ وَالزَّرْعِ لَمْ يُدْرِكْ بِحَيْثُ يُتْرَكُ بِالْأُجْرَةِ عَلَى حَالِهِ إلَى الْحَصَادِ وَإِنْ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فَكَانَ تَرْكُهُ بِالْمُسَمَّى، وَإِبْقَاءُ الْعَقْدِ عَلَى مَا كَانَ أَوْلَى مِنْ النَّقْضِ وَإِعَادَتِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا غَصَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ وَإِنْ كَانَ لَهُ نِهَايَةٌ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ فِعْلِهِ وَقَعَ ظُلْمًا وَالظُّلْمُ يَجِبُ إعْدَامُهُ لَا تَقْرِيرُهُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْلَعَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُ فَلَا تُؤَجَّرُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالزَّرْعِ مَا تَقَدَّمَ وَفِي الْقُنْيَةِ وَالْخَصَّافِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَقْفًا لِيَبْنِيَ فِيهَا أَوْ يَغْرِسَ، ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَبْقِيَهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَلَوْ أَبَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ إلَّا الْقَلْعَ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ اهـ.
وَمِنْ هُنَا عُلِمَ حُكْمُ الِاسْتِحْكَارِ، وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى إطْلَاقِ الْمُؤَلِّفِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَفِي الْأَرْضِ غِرَاسٌ أَوْ رَطْبَةٌ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا نِهَايَةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَغْرَمَ الْمُؤَجِّرُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا وَيَتَمَلَّكَهُ) يَعْنِي إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَلْعُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ إلَّا أَنْ يَغْرَمَ الْمُؤَجِّرُ قِيمَةَ ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تُنْتَقَصُ بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَيَدْفَعُ الضَّرَرَ عَنْ صَاحِبِ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ لَهُ، وَعَنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِالتَّمَلُّكِ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُنْتَقَصُ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْغِرَاسَ جَبْرًا عَلَى صَاحِبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قَلْعِهِمَا ضَرَرٌ فَاحِشٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِهِ فَيَكُونُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ لِهَذَا وَالْأَرْضُ لِهَذَا) لِأَنَّ الْحَقَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَيُتْرَكُ ذَلِكَ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَإِنْ تَرَكَهَا عَارِيَّةً فَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا لِأَجْنَبِيٍّ، وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْوَقْفِ بَنَى فِي الدَّارِ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَيِّمِ، وَنَزْعُ الْبِنَاءِ يَضُرُّ بِالْوَقْفِ يُجْبَرُ الْقَيِّمُ عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ لِلْبَانِي وَيَجُوزُ لِمُسْتَأْجِرِ الْوَقْفِ غَرْسُ الْأَشْجَارِ وَالْكَرْمِ بِغَيْرِ إذْنٍ إذَا لَمْ يَكُنْ يَضُرُّ بِأَرْضِ الْوَقْفِ وَيَجُوزُ لِلْمُتَوَلِّي الْإِذْنُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ فِيمَا يَزِيدُ فِيهَا خَيْرًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرَّطْبَةُ كَالشَّجَرِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالزَّرْعُ يُتْرَكُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ) وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ بِخِلَافِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ فَإِنَّهُ يُتْرَكُ بِالْمُسَمَّى عَلَى حَالِهِ إلَى الْحَصَادِ وَالْمُسْتَعِيرِ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ يُتْرَكُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَى الْحَصَادِ بِعَقْدٍ أَوْ بِقَضَاءٍ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ إلَّا بِأَحَدِهِمَا، وَهَذَا يَجِبُ حِفْظُهُ. اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالدَّابَّةُ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَالثَّوْبُ لِلُّبْسِ) يَعْنِي يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِمَا ذُكِرَ إذَا عَيَّنَ الرَّاكِبَ وَالْحِمْلَ أَوْ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّ لَهَا مَنَافِعَ مَعْلُومَةً قَيَّدَ بِالرُّكُوبِ لِيَحْتَرِزَ عَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَبِاللُّبْسِ لِيَحْتَرِزَ عَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ الثَّوْبَ لِيُزَيِّنَ بِهِ دُكَّانَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي الذَّخِيرَةِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً مِنْ مَوْضِعِ كَذَا إلَى مَنْزِلِهِ وَكَانَ كُلَّمَا رَجَعَ يَرْكَبُهَا فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا لِلْحَمْلِ دُونَ الرُّكُوبِ فَكَانَ غَاصِبًا بِالرُّكُوبِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ النَّاسِ بِذَلِكَ فَصَارَ مَأْذُونًا فِيهِ، ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ أَنَّهَا تَارَةً تَكُونُ مُطْلَقَةً وَتَارَةً تَكُونُ مُقَيَّدَةً.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَطْلَقَ أَرْكَبَ وَأَلْبَسَ مَنْ شَاءَ) يَعْنِي إذَا أُطْلِقَ لَهُ الرُّكُوبُ وَاللُّبْسُ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ الدَّابَّةَ وَيُلْبِسَ الثَّوْبَ مَنْ شَاءَ وَالْمُرَادُ بِالْإِطْلَاقِ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ تُرْكِبَ مَنْ تَشَاءُ وَتُلْبِسَ مَنْ تَشَاءُ اهـ.
كَلَامُ الشَّارِحِ وَفَسَّرَ الْإِطْلَاقَ بِهَذَا تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَالْغَايَةِ وَفَسَّرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ الْإِطْلَاقَ بِأَنْ يَقُولَ اسْتَأْجَرْتهَا لِلرُّكُوبِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ أَوْ اللُّبْسِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ

الصفحة 13