كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 8)

وَمَا ذَكَرْنَاهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِي الشَّعِيرِ وَنَحْوِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّيْئَيْنِ مَتَى كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَرَرٌ فَوْقَ ضَرَرِ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْإِذْنِ فِي أَحَدِهِمَا الْإِذْنُ فِي الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ هُوَ أَخَفُّ ضَرَرًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَفِي الْأَصْلِ إذَا تَكَارَى مِنْ رَجُلٍ إبِلًا مُسَمَّاةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا إلَى مَكَّةَ فَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لَيْسَ تَفْسِيرُ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرْنَا، بَلْ تَفْسِيرُهَا اسْتَأْجَرَ الْمُكَارِي عَلَى الْحَمْلِ فَالْمَقْصُودُ عَلَيْهِ الْحَمْلُ فِي ذِمَّةِ الْمُكَارِي وَأَنَّهُ مَعْلُومٌ وَالْإِبِلُ آلَةٌ، وَجَهَالَةُ الْآلَةِ لَا تُوجِبُ فَسَادَ الْإِجَارَةِ كَمَا فِي الْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ وَمَا أَشْبَهَهُ.
وَاسْتَدَلَّ عَلَى تَفْسِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ لَا بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَنَحْنُ نُفْتِي بِالْجَوَازِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ، وَفِي الذَّخِيرَةِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى كَذَا وَدَفَعَ لَهُ الدَّابَّةَ لَا يُجْبَرُ رَبُّ الدَّابَّةِ أَنْ يُرْسِلَ غُلَامَهُ مَعَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ يُؤْمَرُ بِأَنْ يُرْسِلَ غُلَامَهُ مَعَهَا، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً بِعَيْنِهَا لِلْحَمْلِ فَحَمَلَ الْمُكَارِي عَلَى غَيْرِهَا لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَفِي الْفَتَاوَى تَكَارَى دَابَّةً إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ فِي يَوْمِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ إلَى خَمْسَةِ أَيَّامٍ قَالَ يَجِبُ دِرْهَمَانِ أُجْرَةُ الذَّهَابِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ فِي الرُّجُوعِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَّةَ فَهُوَ عَلَى الذَّهَابِ وَفِي الْغَايَةِ عَلَى الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ وَفِي فَتَاوَى هُوَ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةً مِنْ الْحِنْطَةِ فَمَرِضَتْ فَلَمْ تُطِقْ إلَّا خَمْسِينَ فَحَمَلَ عَلَيْهَا هَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُكَارِي بِحِصَّةِ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي بَدِيعُ الدِّينِ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى اسْتَأْجَرَ دَابَّةً يَوْمًا وَانْتَفَعَ بِهَا فَأَمْسَكَهَا، وَقَدْ وَرِمَ بَطْنُهَا أَوْ اعْتَلَّتْ فَتُرِكَتْ فِي الدَّارِ الَّذِي هُوَ فِيهَا فَمَاتَتْ غَرِمَ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ تَكَارَى قَوْمٌ مُشَاةٌ إبِلًا عَلَى أَنَّ الْمُكَارِيَ يَحْمِلُ مَنْ مَرِضَ مِنْهُمْ أَوْ مَنْ أَعْيَا مِنْهُمْ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَفِي الْأَصْلِ وَلَوْ شَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ يَرْكَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِيهِ، ثُمَّ يَرْكَبَ الْآخَرُ وَهَكَذَا فَذَلِكَ جَائِزٌ وَفِي الْخُلَاصَةِ تَكَارَى عَلَى دُخُولِ عِشْرِينَ يَوْمًا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَمَا دَخَلَ إلَّا فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا قَالَ يُحَطُّ عَنْهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَيَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ اكْتَرَى إبِلًا لِلْحَجِّ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ الْخُرُوجِ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ يُرِيدُ الْخُرُوجَ فِي الْوَقْتِ الْمَعْرُوفِ لِلْخُرُوجِ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ تَكَارَى دَابَّةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ وَاحِدٌ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَجْهُولٍ جَهَالَةٌ تُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَضَعُفَتْ قَبْلَ الْوُصُولِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِهَا فَيُفْسَخُ الْعَقْدُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ دَابَّتَيْنِ بِعَشَرَةٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عِشْرِينَ قَفِيزًا فَحَمَلَ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ عَشَرَةً يُقْسَمُ الْأَجْرُ عَلَى أَجْرِ مِثْلِ كُلِّ دَابَّةٍ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَطِبَتْ بِالْإِرْدَافِ ضَمِنَ النِّصْفَ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً فَأَرْدَفَ عَلَيْهَا غَيْرَهُ ضَمِنَ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِالثِّقَلِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ يَعْقِرُهَا الرَّاكِبُ الْخَفِيفُ وَيَخِفُّ عَلَيْهَا رُكُوبُ الثَّقِيلِ لِعِلْمِهِ بِالْفُرُوسِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ غَيْرُ مَوْزُونٍ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ بِالْوَزْنِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالْعَدَدِ كَالْجِنَايَةِ فِي بَابِ الْجِنَايَةِ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ تُطِيقُ حَمْلَ الِاثْنَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُطِيقُ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي، قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الرَّدِيفُ يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ يَضْمَنُ بِقَدْرِ ثِقَلِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قُيِّدَ بِالرَّدِيفِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا حَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ ثِقَلَهُ مَعَ الَّذِي حَمَلَهُ يَجْتَمِعَانِ فِي مَكَان وَاحِدٍ فَيَكُونُ أَشَقَّ عَلَى الدَّابَّةِ، وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ الرَّدِيفُ مِثَالٌ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ حَتَّى لَوْ جَعَلَ الْمُسْتَأْجِرُ نَفْسَهُ رَدِيفًا وَغَيْرَهُ أَصِيلًا فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ قُيِّدَ بِكَوْنِهِ رَدِيفًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقْعَدَ الْأَجْنَبِيَّ فِي السَّرْجِ صَارَ غَاصِبًا وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ.
قَالَ قَاضِي خان اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَحَمَلَ عَلَيْهَا صَبِيًّا صَغِيرًا فَعَطِبَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا كَمَا لَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا حِمْلًا وَأَطْلَقَ فِي ضَمَانِ النِّصْفِ فَشَمِلَ مَا إذَا هَلَكَتْ قَبْلَ الْوُصُولِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ وَعَلَيْهِ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ إذَا هَلَكَتْ بَعْدَمَا بَلَغَ مَقْصِدَهُ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ إذَا هَلَكَتْ قَبْلَهُ وَفِي الْمُحِيطِ إذَا عَطِبَتْ بَعْدَ الْبُلُوغِ مِنْ الرُّكُوبِ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ كَامِلًا وَنِصْفُ الْقِيمَةِ كَانَ الرَّدِيفُ أَخَفَّ أَوْ أَثْقَلَ أَمَّا الْأُجْرَةُ؛ فَلِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الضَّمَانُ؛ فَلِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِرُكُوبِهِمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّدِيفَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمَّنَ وَإِنْ ضَمَّنَ الرَّدِيفَ

الصفحة 15