كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 8)

وَمَنْ حَمَلَ طَعَامًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا لِشَرِيكِهِ عَمَّا لَا يَقَعُ بَعْضُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ، هَكَذَا قَالُوا قَالَ الشَّارِحُ وَفِيهِ إشْكَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ وَالْأُجْرَةُ لَا تُمْلَكُ إلَّا فِي الصَّحِيحَةِ مِنْهَا بِالْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَيْفَ تُمْلَكُ هُنَا مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ وَمِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّعْجِيلِ، الثَّانِي أَنَّهُ قَالَ مَلَكَهُ فِي الْحَالِ.
وَقَوْلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ يُنَافِي الْمِلْكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إذَا مَلَكَ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ فَكَيْفَ يَمْلِكُ وَبِأَيِّ سَبَبٍ يَمْلِكُ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَلَكَ هُنَا بِالتَّعْجِيلِ وَالتَّسْلِيمِ كَمَا صَرَّحَ هُوَ بِهِ فِي تَقْرِيرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ حَيْثُ قَالَا وَدُفِعَ إلَيْهِ وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِ مَلَكَهُ فِي الْحَالِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى مَلَكَهُ فِي الْحَالِ يَعْنِي ابْتِدَاءً بِمُوجِبِ الْعَقْدِ وَتَسْلِيمِ الْأَجْرِ إلَى الْأَجِيرِ بِالتَّعْجِيلِ وَمَعْنَى لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ قَبْلَ الْعَمَلِ بَعْدَ أَنْ مَلَكَ الْأَجْرَ بِالتَّسْلِيمِ بِسَبَبِ أَنَّهُ صَارَ شَرِيكًا فِي الطَّعَامِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَوْ قَالَ احْمِلْ لِي هَذَا الْكُرَّ إلَى بَغْدَادَ بِنِصْفِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ شَرِيكًا وَتَفْسُدُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَلِلْأَجِيرِ أَجْرُ مِثْلِهِ إنْ وَصَلَ إلَى بَغْدَادَ لَا يَتَجَاوَزُ الْمُسَمَّى وَمَشَايِخُ بَلْخٍ وَالنَّسَفِيُّ جَوَّزُوا حَمْلَ الطَّعَامِ بِبَعْضِ الْمَحْمُولِ وَنَسْجَ الثَّوْبِ بِبَعْضِ الْمَنْسُوجِ لِتَعَامُلِ أَهْلِ بِلَادِهِمْ بِذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ وَمَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَمْ يُجَوِّزُوا ذَلِكَ وَقَالُوا هَذَا التَّخْصِيصُ تَعَامُلُ أَهْلِ بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهِ لَا يُخَصُّ الْأَثَرُ وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ أَنْ يَشْتَرِطَا قَفِيزًا مُطْلَقًا فَإِذَا عَمِلَ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ دَفَعَ إلَى حَائِكٍ ثَوْبًا لِيَنْسِجَهُ بِنِصْفِهِ أَوْ بِثُلُثِهِ أَوْ رُبْعِهِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا وَبِهِ أَفْتَى الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَالسَّيِّدُ الْإِمَامُ الشَّهِيدُ.
وَمَشَايِخُ بَلْخٍ يُفْتُونَ بِالْجَوَازِ لِعُرْفِ بِلَادِهِمْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ. اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ لَهُ إرْدَبًّا بِبَعْضٍ مِنْهُ أَوْ حِمَارًا لِيَحْمِلَ لَهُ إرْدَبًّا بِبَعْضٍ مِنْهُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا بِنِصْفِ مَا رَبِحَ فِيهِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَأْجَرَ حَائِكًا لِيَنْسِجَ هَذَا الثَّوْبَ بِنِصْفِهِ عَلَى أَنْ يَزِيدَ رِطْلًا مِنْ عِنْدِهِ فَنَسَجَ وَزَادَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ وَيَضْمَنُ صَاحِبُ الثَّوْبِ لِلْحَيَّاكِ رِطْلًا مِنْ الْغَزْلِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيُنَجِّزَ لَهُ طُولَ النَّهَارِ بِدِرْهَمٍ؛ فَلِأَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ يُوجِبُ كَوْنَ الْمَعْقُودِ هُوَ الْمَنْفَعَةُ وَذِكْرَ الْعَمَلِ يُوجِبُ كَوْنَ الْعَمَلِ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ اُسْتُحِقَّ الْأَجْرُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْعَمَلِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالْعَمَلِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَالَا الْعَقْدُ جَائِزٌ وَيَكُونُ الْعَقْدُ عَلَى الْعَمَلِ دُونَ الْيَوْمِ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْهُ نِصْفَ النَّهَارِ فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ فِي الْيَوْمِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْغَدِ، وَذِكْرُ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لِلْإِمَامِ هُنَا أَنَّ الْيَوْمَ لَمْ يُذْكَرْ هُنَا إلَّا لِإِثْبَاتِ صِفَةٍ فِي الْعَمَلِ، وَالصِّفَةُ تَابِعَةٌ لِلْمَوْصُوفِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بِالذَّاتِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ ذَكَرَ الْيَوْمَ قَصْدًا وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخِيطَ لَهُ هَذَا الثَّوْبَ قَمِيصًا الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَلَوْ قَالَ لِيَخِيطَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ يَجُوزُ، وَلَوْ قَالَ لِيَخِيطَهُ قَمِيصًا وَيَفْرُغَ فِي الْيَوْمِ جَازَ.
وَلَوْ قَالَ بِشَرْطِ أَنْ يَفْرُغَ أَوْ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ فِي الْيَوْمِ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ قُلْت وَرَدَ فِي بَابِ الرَّاعِي إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: لَوْ اسْتَأْجَرَهُ شَهْرًا لِيَرْعَى غَنَمَهُ بِدِرْهَمٍ أَوْقَعَ الْعَقْدَ عَلَى الْعَمَلِ لَمَّا قَدَّمَ ذِكْرَ الْعَمَلِ عَلَى الْوَقْتِ وَالْعِلَّةُ الَّتِي اقْتَضَتْ فَسَادَ الْعَقْدِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ فَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ يَفْسُدَ فِي الرَّاعِي كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَيَجُوزُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ كَمَا جَازَ فِي مَسْأَلَةِ الرَّاعِي تَرْجِيحًا لِلْمُقَدَّمِ فِي الذِّكْرِ وَمَا الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا، أَقُولُ: الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا قَالَ فِي الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ إنَّمَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ إذَا ذُكِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُجَوِّزُ إفْرَادَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ بَيَانُهُ إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَوْمًا لِيَبْنِيَ لَهُ بِالْجِصِّ وَالْآجُرِّ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ فَكَانَ ذِكْرُ الْبِنَاءِ لِبَيَانِ نَوْعِ الْعَمَلِ، وَهَذَا الْعَمَلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ ذُكِرَ الْعَمَلُ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ فَإِنْ بَيَّنَ قَدْرَ الْبِنَاءِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ اهـ.
فَعَلَى مَسْأَلَةِ الْخُبْزِ بَيَّنَ قَدْرَ الْمَحَلِّ تَفْسُدُ وَفِي مَسْأَلَةِ الرَّاعِي لَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ الْغَنَمِ الْمَرْعِيِّ فَلَا يَفْسُدُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ

الصفحة 27