كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 8)

عَلَيْهِ أَنْ لَا يُقَيِّدَهُ بِذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ وَعَلَيْهِمَا أَنْ يَرْفَعَا الْعَقْدَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ رَفْعَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا تَشَاحَّا أَوْ لَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ]
(بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ صَحِيحِهَا وَفَاسِدِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَوَارِضِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانِهَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَجِيرَ عَلَى ضَرْبَيْنِ خَاصٍّ وَمُشْتَرَكٍ فَشَرَعَ الْمُؤَلِّفُ يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَى ضَمَانِ الْأَجِيرِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ ذَلِكَ، بَلْ مَعْنَاهُ إثْبَاتُ الضَّمَانِ فَقَطْ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ عِنْوَانُ الْبَابِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عِنْدَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْخَاصِّ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ) قَالَ الْأَكْمَلُ وَالسُّؤَالُ عَنْ وَجْهِ تَقْدِيمِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الْخَاصِّ دَوْرِيٌّ اهـ.
يَعْنِي أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ تَوْجِيهِ تَقْدِيمِ الْمُشْتَرَكِ يَتَوَجَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَكْسِ فَلَا مُرَجِّحَ سِوَى الِاخْتِيَارِ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَإِنْ قُلْت تَعْرِيفُ الْمُشْتَرَكِ بِقَوْلِهِ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ تَعْرِيفٌ يَدُلُّ عَلَى عَاقِبَتِهِ إلَى الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ، وَلَوْ كَانَ عَارِفًا بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّعْرِيفِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ لَهُ تَعْرِيفُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى السُّؤَالِ عَمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ حَتَّى يَعْلَمَ مَنْ هُوَ فَلَا بُدَّ لِلْمُعَرِّفِ أَنْ يَقُولَ هُوَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ عَيْنُ الدَّوْرِ قُلْت نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ لِلْخَفِيِّ بِمَا هُوَ أَشْهَرُ مِنْهُ فِي مَفْهُومِ الْمُتَعَلِّمِينَ أَوْ هُوَ تَعْرِيفٌ لِمَا لَمْ يُذْكَرْ بِمَا قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا اسْتِحْقَاقَ الْأَجِيرِ بِالْعَمَلِ بِقَوْلِهِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْأُجْرَةِ مَتَى تُسْتَحَقُّ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَمَا عَرَفْته بِأَنَّ الْأَجِيرَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَهُوَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ إلَى هُنَا كَلَامُهُ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْجَوَابَ فِيهِ خَلَلٌ مِنْ أَوْجُهٍ، أَمَّا أَوَّلًا؛ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فِي أَوَّلِ الْجَوَابِ نَعَمْ كَذَلِكَ اعْتِرَافٌ بِلُزُومِ الدَّوْرِ وَمَا يَسْتَلْزِمُ الدَّوْرَ يَتَعَيَّنُ فَسَادُهُ وَلَا يُمْكِنُ إصْلَاحُهُ.
وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ كَوْنَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ خَفِيًّا وَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّعْرِيفِ أَشْهَرُ مِنْهُ فَمَمْنُوعٌ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ فَمَا صَحَّ الْجَوَابُ إذَا سُئِلَ عَمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يُعْلَمَ، وَأَمَّا ثَالِثًا؛ فَلِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي بَابِ الْأَجِيرِ حَتَّى يُسْتَحَقَّ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، قَالَ الْأَكْمَلُ: تَعْرِيفُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكُ يَسْتَلْزِمُ الدَّوْرَ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ حَتَّى يَعْرِفَ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ فَتَكُونُ مَعْرِفَةُ الْمُعَرِّفِ مَوْقُوفَةً عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُعَرَّفِ بِهِ وَهُوَ الدَّوْرُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مِمَّا سَبَقَ مَتَى يُسْتَحَقُّ الْأَجِيرُ بِالْعَمَلِ فَلَمْ تَتَوَقَّفْ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُعَرِّفِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ كَالْخَيَّاطِ وَالصَّبَّاغِ اهـ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِوَاحِدٍ عَمِلَ لِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا لِغَيْرِ وَاحِدٍ، بَلْ إذَا عَمِلَ لِوَاحِدٍ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَمْتَنِعُ وَلَا يَبْعُدُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ، قَالَ الشَّارِحُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَكُونُ عَقْدُهُ وَارِدًا عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِبَيَانِ مَحَلِّهِ لِيَسْلَمَ مِنْ النَّقْضِ وَالْخَاصُّ مَنْ يَكُونُ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَى مَنْفَعَتِهِ وَلَا تَصِيرُ مَنَافِعُهُ مَعْلُومَةً إلَّا بِذِكْرِ الْمُدَّةِ وَالْمَسَافَةِ وَمَنَافِعُهُ مَعْلُومَةٌ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ فَفِي الْمُشْتَرَكِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْوَصْفُ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الْعَيْنِ بِفِعْلِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْمُدَّةِ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّقَبُّلُ.
وَحُكْمُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ وَالْخَاصُّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ وَفِي الْأَصْلِ مَا مَعْنَاهُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَى الْعَمَلِ الْمَعْلُومِ فَيَصِحُّ بِدُونِ بَيَانِ الْمُدَّةِ وَالْإِجَارَةُ عَلَى الْمُدَّةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ نَوْعٍ مِنْ الْعَمَلِ، وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ الْعَمَلِ وَالْمُدَّةِ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ فَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَاعِيًا لِيَرْعَى لَهُ غَنَمَهُ الْمَعْلُومَةَ بِدِرْهَمٍ شَهْرًا فَهُوَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ إلَّا إذَا صَرَّحَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِأَنْ قَالَ لَا يَرْعَى غَنَمَ غَيْرِي، وَإِذَا ذَكَرَ الْمُدَّةَ أَوَّلًا نَحْوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَاعِيًا شَهْرًا يَرْعَى غَنَمَهُ الْمَعْلُومَةَ بِدِرْهَمٍ فَهُوَ أَجِيرٌ خَاصٌّ إلَّا إذَا صَرَّحَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بِأَنْ يَقُولَ ارْعَ غَنَمِي وَغَنَمَ غَيْرِي.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ كَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَالْخَيَّاطِ وَالنَّسَّاجِ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا اخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ فِي تَعْرِيفِ الْمُشْتَرَكِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، وَقِيلَ قَوْلُهُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ مُفْرَدًا، وَالتَّعْرِيفُ بِالْمُفْرَدِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُحَقِّقِينَ، وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِنْ التَّعْرِيفَاتِ اللَّفْظِيَّةِ وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ الْمُشْتَرَكُ

الصفحة 30