كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 8)

فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا مَنْفَعَةَ عَبْدِ نَفْسِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لِلصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا اسْتَأْجَرَ نَفْسَهُ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الْأُجْرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَمَّا يَنْفَعُهُ وَفِي النِّهَايَةِ الْأَجْرُ الَّذِي يَجِبُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ هُوَ أَجْرُ الْمِثْلِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ نَفَذَتْ الْإِجَارَةُ وَلَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ وَأَجْرُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى وَالْأُجْرَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِلْعَبْدِ وَفِي قَاضِي خان الْأَبُ وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُمَا إذَا أَجَّرَ عَبْدَ الصَّبِيِّ سِنِينَ، ثُمَّ بَلَغَ الْغُلَامُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَالصَّبِيُّ إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ وَسَلَّمَ، ثُمَّ بَلَغَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ الْمُكَاتَبُ إذَا أَجَّرَ عَبْدَهُ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ رُدَّ فِي الرِّقِّ فَالْإِجَارَةُ بَاقِيَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُنْتَقَضُ. اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ أَجَّرَ الرَّجُلُ عَبْدًا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ وَأَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ الْإِجَارَةَ فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ جَازَ وَكَانَتْ الْأُجْرَةُ لِلْمَالِكِ وَإِنْ أَجَازَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لَمْ تُعْتَبَرْ الْإِجَارَةُ وَلَا أَجْرَ لِلْعَاقِدِ وَإِنْ أَجَازَ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ فَالْمَاضِي لَهُ وَالْبَاقِي لِلْمَالِكِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ أُجْرَةُ مَا مَضَى لِلْغَاصِبِ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِلْمَالِكِ اهـ. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَضْمَنُ غَاصِبُ الْعَبْدِ مَا أَكَلَ مِنْ أَجْرِهِ) مَعْنَاهُ إذَا غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا فَأَجَّرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ فَأَخَذَ الْغَاصِبُ مِنْ يَدِ الْعَبْدِ الْأُجْرَةَ فَأَكَلَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا عَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا تَأْوِيلَ لَهُ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِإِتْلَافِ مَالٍ مُحَرَّزٍ مُتَقَوِّمٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُحَرَّزٍ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَازَ يَكُونُ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ نَائِبِهِ، وَهَذَا لَيْسَ فِي يَدِهِ وَلَا يَدِ نَائِبِهِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُ وَلَا الْعَبْدَ، بَلْ الْعَبْدُ وَمَا فِي يَدِهِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّزًا فَلَا ضَمَانَ فَصَارَ نَظِيرُ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ فِي يَدِ السَّارِقِ بَعْدَ الْقَطْعِ؛ وَلِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَالْبَدَلُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُبْدَلِ، وَلَوْ أَتْلَفَ الْغَاصِبُ الْمَنْفَعَةَ لَا يَضْمَنُ فَكَذَا بَدَلُهَا وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ تَوَفَّرَ فِيهِ حَظُّهُمَا فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْمَالِكِ عِنْدَ بَقَاءِ الْأَجْرِ فِي يَدِهِ فَقُلْنَا الْمَالِكُ أَحَقُّ بِهِ وَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْغَاصِبِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَقُلْنَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا أَكَلَ الْأُجْرَةَ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَغْصُوبِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُهُ بِالْإِتْلَافِ تَعَدِّيًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلِ الْمَنْفَعَةِ، بَلْ هُوَ جُزْءُ الْأُمِّ فَيَضْمَنُهُ بِالتَّعَدِّي كَالْأُمِّ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا الْغَاصِبُ لَا يَكُونُ الْوَلَدُ لَهُ، وَلَوْ أَجَّرَ الْعَبْدُ كَانَ الْأَجْرُ لَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ وَجَدَهُ رَبُّهُ أَخَذَهُ) يَعْنِي لَوْ وَجَدَ رَبُّ الْعَبْدِ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ مِنْ الْأُجْرَةِ أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ عَيْنَ مَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ التَّقَوُّمِ بُطْلَانُ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمَسْرُوقِ بَعْدَ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مُتَقَوِّمًا حَتَّى لَا يُضْمَنَ بِالْإِتْلَافِ وَيَبْقَى الْمِلْكُ فِيهِ حَتَّى يَأْخُذَهُ الْمَالِكُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ قَبْضُ الْعَبْدِ أَجْرَهُ) يَعْنِي لَوْ قَبَضَ الْعَبْدُ الْأُجْرَةَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ جَازَ قَبْضُهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ فَيَصِحُّ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ وَهَذِهِ مُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ وَلَا يَأْخُذُ مُسْتَأْجِرٌ مِنْ عَبْدٍ مَحْجُورٍ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَ صِحَّةَ الْقَبْضِ وَمَنْعَ الْأَخْذِ فَهِيَ تَكْرَارٌ بِلَا فَائِدَةٍ فَتَأَمَّلْ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ صَحَّ وَالْأَوَّلُ بِأَرْبَعَةٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ أَوَّلًا شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ انْصَرَفَ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ تَحَرِّيًا لِلصِّحَّةِ كَمَا لَوْ سَكَتَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ فِي حَقِّ الْإِجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَوْقَاتِ فِي حَقِّ الْيَمِينِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا؛ لِأَنَّ تَنَكُّرَهَا مُفْسِدٌ فَتَعَيَّنَ عَقِبَهَا فَإِذَا انْصَرَفَ الْأَوَّلُ إلَى مَا يَلِيهِ انْصَرَفَ الثَّانِي تَحَرِّيًا لِلْأَخِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْأَوْقَاتِ إلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فَإِنْ قُلْت هَذَا التَّعْلِيلُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا أَنْكَرَ الشَّهْرَ وَهُنَا عُرِفَ بِقَوْلِهِ هَذَيْنِ قُلْت رَأَيْت فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرَيْنِ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ اسْتَأْجَرْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ فَيَنْصَرِفُ قَوْلُهُ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ إلَى الشَّهْرَيْنِ الْمُنْكَرَيْنِ. اهـ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ قِيلَ مَبْنَى هَذَا الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ مُنْكَرًا مَجْهُولًا وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ لِمَا فِي كَلَامِ الْمُؤَجِّرِ مِنْ التَّنْكِيرِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ قَبْلَ إجَارَةِ عَبْدٍ إلَى آخِرِهِ فَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى وَكَانَ يَسْلَمُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ فَتَأَمَّلْ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي إبَاقِ الْعَبْدِ وَمَرَضِهِ حُكِّمَ الْحَالُ) يَعْنِي لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرًا مَثَلًا، ثُمَّ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ أَبَقَ أَوْ مَرِضَ فِي الْمُدَّةِ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى ذَلِكَ أَوْ أَنْكَرَ اسْتِنَادَهُ إلَى أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَقَالَ أَصَابَهُ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِسَاعَةٍ يُحَكَّمُ الْحَالُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ شَهِدَ لَهُ الْحَالُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي الدَّعَاوَى قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَوُجُودُهُ فِي الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ فِي الْمَاضِي فَيَصْلُحُ الظَّاهِرُ مُرَجِّحًا وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ حُجَّةً كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الظَّاهِرُ يَشْهَدُ

الصفحة 38