كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 8)

أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ فَيَنْقُصُ مِنْهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَإِنْ جَنَى جِنَايَةً عَمْدًا بِأَنْ قَتَلَ إنْسَانًا قُتِلَ بِهِ فَإِنْ جَنَى غَيْرُ الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَالْأَرْشُ لَهُ وَالْأَرْشُ أَرْشُ الْعَبِيدِ أَمَّا كَوْنُ أَرْشِهِ لَهُ فَلِأَنَّ أَجْزَاءَهُ لَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَنَافِعِهِ، وَأَمَّا كَوْنُ أَرْشِهِ أَرْشَ الْعَبِيدِ؛ فَلِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ مُخْتَصَرًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) شُرُوعٌ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ بَعْدَ الصَّحِيحَةِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَةَ تَتْلُوا الصَّحِيحَةَ يَعْنِي لَوْ كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ أَوْ الْكَافِرَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَلَا يَصْلُحُ عِوَضًا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ مَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَسْمِيَةِ الْبَدَلِ تُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ، وَلَوْ أَدَّى الْخَمْرَ لَا يُعْتَقُ، وَلَوْ أَدَّى الْقِيمَةَ عَتَقَ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُسْلِمَ بَاشَرَ فَلَوْ وَكَّلَ ذِمِّيًّا فِي كِتَابَةِ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَافِرًا وَأَسْلَمَ تَفْسُدُ فَإِذَا فَسَدَتْ بِالْإِسْلَامِ فِي الْبَقَاءِ فَفِي الِابْتِدَاءِ أَوْلَى، وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ الْكَافِرَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ ذَلِكَ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ فَإِنْ أَدَّى لَا يُعْتَقُ إلَّا إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَيُعْتَقُ لِأَجْلِ الْيَمِينِ لَا لِأَجْلِ الْكِتَابَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَيْضًا وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ كَاتَبَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ عَتَقَ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ قَبْلَ إبْطَالِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ إذَا فَسَدَتْ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِمَالٍ انْعَقَدَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى الْقِيمَةِ فَيَتَعَلَّقُ الْعِتْقُ بِأَدَائِهَا اهـ.
وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ كَاتَبَ عَلَى أَلْفٍ وَرِطْلٍ مِنْ الْخَمْرِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ كَاتَبَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَلَدٍ تَلِدُهُ لَك فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَإِنْ وَلَدَتْ فِي الْفَاسِدَةِ، ثُمَّ أَدَّتْ عَتَقَ وَلَدُهَا مَعَهَا وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَائِزَةِ وَالْفَاسِدَةِ أَنَّ فِي الْفَاسِدَةِ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الرِّقِّ وَيَفْسَخَ الْكِتَابَةَ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَفِي الْجَائِزَةِ لَا يَفْسَخُ إلَّا بِرِضَا الْعَبْدِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَفْسَخَ فِي الْجَائِزَةِ وَالْفَاسِدَةِ جَمِيعًا بِغَيْرِ رِضَا الْمَوْلَى وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَأَدَّى الْمُكَاتَبُ إلَى وَرَثَتِهِ عَتَقَ اسْتِحْسَانًا اهـ.
قَيَّدْنَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِي كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَكَاتَبَ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَكَاتَبَ مَنْ يَعْلَمُ بِالْأَحْكَامِ، وَلَوْ تَقْدِيرًا فَلَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ تَبْلُغْهُ الْأَحْكَامُ فَكَاتَبَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ ذَلِكَ وَلَا سِعَايَةَ؛ لِأَنَّهُ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ عَلَى قِيمَتِهِ أَوْ عَيْنٍ لِغَيْرِهِ) يَعْنِي الْكِتَابَةَ فَاسِدَةً إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عَيْنٍ لِغَيْرِهِ أَمَّا عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهَا مَجْهُولَةُ الْقَدْرِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ وَجِنْسُهَا كَذَلِكَ مَجْهُولٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَاتَبَ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ وَالدَّابَّةَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَمَا هُوَ مَجْهُولُ الْجِنْسِ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى فِي النِّكَاحِ؛ وَلِأَنَّ مُوجِبَ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ الْقِيمَةُ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا وَلَا يُقَالُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدِهِ يَجُوزُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ عَبْدٌ وَسَطٌ أَوْ قِيمَةٌ، وَلَوْ أَبَى أَخْذَ الْقِيمَةِ يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى الْقِيمَةِ فَاسِدَةً لَمَا صَحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِيمَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ ثَبَتَ قَصْدًا وَفِيمَا ذَكَرْت ثَبَتَ ضِمْنًا وَيَتَسَامَحُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَمْ يَتَسَامَحْ فِي الْقَصْدِيِّ وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ أَدَّى الْقِيمَةَ عَتَقَ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ فَسَدَتْ يَبْقَى تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ فَمَتَى تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْمُؤَدَّى قِيمَتُهُ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالتَّصَادُقِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَإِنْ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْ الْمُقَوِّمِينَ عَلَى شَيْءٍ يُجْعَلُ ذَلِكَ قِيمَةً لَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَوَّمَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِالْأَكْثَرِ لَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ أَقْصَى قِيمَتِهِ.
وَلَوْ كَاتَبَ أَمَةً عَلَى حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِهَا لَمْ يَجُزْ وَلَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ قِيمَتِهَا خِلَافًا لِزُفَرَ قَوْلُهُ أَوْ عَلَى عَيْنٍ لِغَيْرِهِ كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَالْمُرَادُ بِهِ شَيْءٌ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ كَاتَبَ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَهِيَ لِغَيْرِهِ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَعَنْ الْحَسَنِ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَيْنَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مَعْقُودٌ عَلَيْهَا وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَتَسْلِيمُ تِلْكَ الْعَيْنِ لَيْسَتْ فِي قُدْرَتِهِ فَلَا تَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَجَازَ صَاحِبُ الْعَيْنِ ذَلِكَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْعَتَّابِيَّةِ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَجَازَ أَوْ لَمْ يَجُزْ غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِجَارَةِ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْقِيمَةِ وَرُوِيَ الثَّانِي عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ

الصفحة 48