كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 8)

مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَهُوَ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ إلَّا أَنَّ بَيْعَهَا امْتَنَعَ تَبَعًا لِلْوَلَدِ وَمَا ثَبَتَ تَبَعًا يَثْبُتُ بِشَرَائِطِ الْمَتْبُوعِ، وَلَوْ ثَبَتَ بِدُونِ الْوَلَدِ لَثَبَتَ ابْتِدَاءً وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْمَوْتِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ فَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ.
وَقَدْ اشْتَرَاهَا مَعَ وَلَدِهَا فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِمَا لَكِنْ إنْ أَدَّى مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ عِنْدَ الْمَوْتِ عَتَقَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَتْ أَنَا أُؤَدِّي جَمِيعَ الْمَالِ حَالًّا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا وَلِلْمَوْلَى بَيْعُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مُكَاتَبٌ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ فَدَخَلَ بِهَا وَوَلَدَتْ وَلَدًا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَمَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ فَالْوَلَدُ يَسْعَى فِيمَا عَلَى أَبِيهِ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ، وَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ فِي حَيَاةِ الْمُكَاتَبِ، ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ فَإِنْ أَدَّتْ بَدَلَ الْكِتَابَةِ حِينَ مَوْتِهِ عَتَقَتْ وَإِلَّا رُدَّتْ فِي الرِّقِّ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا وَفِي الْهِدَايَةِ، وَإِذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَتِهِ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ فَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ وَكَسْبُهُ لَهُ وَفِي الْيَنَابِيعِ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَاعْتَرَفَ بِهِ، ثُمَّ مَاتَ عَنْهُ فَإِنْ تَرَكَ مَعَهُ أَبُوهُ وَلَدًا آخَرَ اشْتَرَكَا فِي الْكِتَابَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى بَيْعُهُمْ وَلَا سِعَايَتُهُمْ فَإِنْ أَدَّى الْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ الْبَدَلَ عَتَقَ وَعَتِّقُوا جَمِيعًا وَإِنْ عَجَزَ رُدَّ فِي الرِّقِّ وَرُدُّوا فِي الرِّقِّ إلَّا أَنْ يَقُولُوا نَحْنُ نُؤَدِّي الْمَالَ السَّاعَةَ فَيُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي لِعَجْزِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَإِنْ أَدَّى مَالَ الْكِتَابَةِ وَلِلْمُكَاتَبِ مَالٌ كَثِيرٌ كَانَ الْمَتْرُوكُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ لِلْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ زُفَرَ يَرِثُونَ الْجَمِيعَ مِنْهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ وَلَدًا فَاشْتَرَتْ وَلَدًا آخَرَ، ثُمَّ مَاتَتْ يَسْعَى الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى النُّجُومِ وَمَا كَسَبَهُ الْوَلَدُ الْمُشْتَرَى أَخَذَهُ أَخُوهُ فَمَا أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلِلْمَوْلُودِ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ الْمُشْتَرَى بِأَمْرِ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا إلَّا الْمُشْتَرَى أَدَّى الْكِتَابَةَ حَالَ مَوْتِهَا حَالًّا وَإِلَّا رُدَّتْ فِي الرِّقِّ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ، وَقَالَا كَسْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ خَاصَّةٌ وَيَسْعَيَانِ عَلَى النُّجُومِ وَإِنْ تَرَكَ الْوَلَدَ الْمُشْتَرَى دُونَ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ يَسْعَى عَلَى نُجُومِهِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ حَالًّا أَوْ يُرَدَّ فِي الرِّقِّ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَإِنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَتِهِ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ وَكَسْبُهُ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ بِالدَّعْوَةِ ثَبَتَ النَّسَبُ لَهُ فَيَتْبَعُهُ فِي الْكِتَابَةِ وَكَانَ كَسْبُ الْوَلَدِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَمْلُوكِهِ فَكَانَ كَسْبُهُ لَهُ، وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَدًا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ التَّسَرِّي فَمِنْ أَيْنَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ الْأَمَةِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْكِتَابَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا لَا يَمْلِكُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ أَمَةٍ لَكِنْ إنْ وَطِئَ وَادَّعَى النَّسَبَ ثَبَتَ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ جَارِيَةٌ بَيْنَ حُرٍّ وَمُكَاتَبٍ وَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَاهُ الْمُكَاتَبُ قَالَ الْوَلَدُ وَلَدُهُ وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدِهِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ عُقْرِهَا وَنِصْفَ قِيمَتِهَا وَلَا يَضْمَنُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ كَالْحُرِّ وَلَا يَضْمَنُ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ زَوْجِهَا دَخَلَ الْوَلَدُ فِي كِتَابَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ الْغَارَّةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْأُمَّهَاتِ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْأُمَّ لَمْ تَصِرْ مُكَاتَبَةً قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ.
فَإِنْ قُلْت إذَا ثَبَتَ لِلْوَلَدِ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ يَثْبُتُ لِلْأُمِّ حَقُّهَا وَهُنَا ثَبَتَ لِلْوَلَدِ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فَيَسْعَى إنْ ثَبَتَ لِلْأُمِّ حَقُّهَا لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهَا عَنْ الْوَلَدِ قُلْت لِلْكِتَابَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا عَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ فَثَبَتَ لِلْأُمِّ هَذَا الْحُكْمُ دُونَ الْكِتَابَةِ لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهَا فَإِنْ قُلْت لِمَ لَا تَصِيرُ مُكَاتَبَةً تَبَعًا لِلْوَلَدِ قُلْت؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا وَرَدَ عَلَيْهَا وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ عَدَمَ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا تَصِيرَ مُكَاتَبَةً تَبَعًا لِلْوَلَدِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنْ لَا تَصِيرَ مُكَاتَبَةً أَصَالَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ وَابْنَهُ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَرِدُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ الثَّانِي عَنْ السُّؤَالِ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا لَا تَصِيرُ مُكَاتَبَةً تَبَعًا لِلْوَلَدِ لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهَا عَنْ الْوَلَدِ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُ وَطْءَ أَمَتِهِ فَإِنْ وَطِئَهَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْأَمَةُ يُؤَاخَذُ الْمُكَاتَبُ بِعُقْرِهَا فِي الْحَالِ وَفِي الزِّيَادَاتِ مُكَاتَبَانِ بَيْنَهُمَا جَارِيَةٌ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُمَا وَيَصِيرُ الْوَلَدُ مُكَاتَبًا مَعَهُمَا فَإِذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا مَا عَلَيْهِ عَتَقَ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ فِي حَقِّهِ وَعَتَقَ الْجُزْءُ مِنْ الْوَلَدِ تَبَعًا لَهُ وَبَقِيَ نَصِيبُ الْآخَرِ مُكَاتَبًا لِلْآخَرِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا إذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا عَتَقَ فَحِينَ عِتْقِ نَصِيبِهِ مِنْ الْوَلَدِ عَتَقَ نَصِيبُ الثَّانِي مِنْ الْوَلَدِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلَدِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدِهِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ الْآخَرِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا لَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ دَخَلَ فِي كَاتَبْته كَمَا سَيَأْتِي كَانَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَقْوَى دُخُولًا مِنْ الْمُشْتَرَى فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَيَسْعَى عَلَى نُجُومِهِ وَالدُّخُولَ يُفِيدُ قُوَّةً عَلَى مُكَاتَبٍ قَيَّدَهُ كَمَا سَيَأْتِي.

قَالَ

الصفحة 56