كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 8)

الذِّمَّةِ فَجَازَ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ وَالْجَوَابُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُهُ فَجَازَ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْقِصَاصِ بَعْدَ الْجُرْحِ وَالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ لِلْوَثِيقَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْوُجُوبِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا جَائِزَانِ فِي الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ وَبِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَجَازَتْ الْكَفَالَةُ بِالدَّرْكِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا بَعْدَ تَسْلِيمِ الدَّارِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى مَا سَمَّى لَهَا بِرِضَاهَا وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ وَهَبَ الْمُؤَجِّرُ أُجْرَةَ رَمَضَانَ هَلْ يَجُوزُ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ اسْتَأْجَرَهُ سَنَةً لَا يَجُوزُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ مُشَاهَرَةً يَجُوزُ إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَلَوْ مَضَى مِنْ السَّنَةِ نِصْفُهَا، ثُمَّ أَبْرَأَهُ عَنْ الْجَمِيعِ أَوْ وَهَبَهَا مِنْهُ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ الْكُلِّ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَرِئَ عَنْ النِّصْفِ وَلَا يَبْرَأُ عَنْ النِّصْفِ اهـ.
وَعَبَّرَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ لَا تَمْلِكُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الْأُجْرَةُ لَا تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ مَعْنَاهُ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا وَأَدَاؤُهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ؛ لِأَنَّ نَفْيَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْمِلْكِ كَالْمَبِيعِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ مَا لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ لَا تُمْلَكُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ وَمَا لَا يُمْلَكُ لَا يَجِبُ إيفَاؤُهُ، فَإِنْ قُلْت فَإِذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ نَفْيُ الْوُجُوبِ نَفْيَ الْمِلْكِ كَانَ أَعَمَّ مِنْهُ، وَذِكْرُ الْعَامِّ وَإِرَادَةُ الْخَاصِّ لَيْسَ بِمَجَازٍ شَائِعٍ لِعَدَمِ دَلَالَةِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ أَصْلًا، وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ أَيْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ أَمَّا نَفْسُ الْوُجُوبِ فَيَثْبُتُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْكَفَالَةِ الْمُرَادُ نَفْسُ الْوُجُوبِ لَا وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَبَيَانُ ذَلِكَ إجْمَالًا وَتَفْصِيلًا أَمَّا إجْمَالًا؛ فَلِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَوْ كَانَتْ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُؤَجِّرُ قَبْلَ وُجُودِ أَحَدِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ لَا يَعْتِقُ فَلَوْ كَانَ نَفْسُ الْوُجُوبِ ثَابِتًا لَصَحَّ الْإِعْتَاقُ كَمَا فِي الْبَيْعِ. اهـ.
وَإِذَا لَمْ يَتَمَلَّكْ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْأُجْرَةِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ طَالَبَهُ بِالْأُجْرَةِ عَيْنًا وَقَبَضَ جَازَ لِتَضْمِينِهِ تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ، وَقَالَ أَيْضًا وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ يَأْخُذُ الْأُجْرَةَ يَوْمًا فَيَوْمًا فِي الْعَقَارِ وَفِي الْمَسَافَاتِ كُلُّ مَرْحَلَةٍ وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً بِالْكُوفَةِ إلَى الرَّيِّ بِدَرَاهِمَ أَيْ النَّقْدَيْنِ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ قَالَ نَقْدُ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّهُ مَكَانُ الْعَقْدِ فَيَنْصَرِفُ مُطْلَقُ الدَّرَاهِمِ إلَى الْمُتَعَارَفِ فِيهَا، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَإِذَا عَجَّلَ الْأُجْرَةَ إلَى رَبِّهَا لَا يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ، وَلَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَيْنًا فَأَعَارَهَا، ثُمَّ أَوْدَعَهَا إلَى رَبِّ الدَّارِ فَهُوَ كَالتَّعْجِيلِ. اهـ.
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأُجْرَةُ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مُعَجَّلَةً أَوْ مُؤَجَّلَةً أَوْ مُنَجَّمَةً أَوْ مَسْكُوتًا عَنْهَا فَإِنْ كَانَتْ مُعَجَّلَةً فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُؤَجَّلَةً، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ إلَّا بَعْدَ الْأَجَلِ وَإِنْ كَانَتْ مُنَجَّمَةً فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ عِنْدَ كُلِّ نَجْمٍ وَإِنْ كَانَتْ مَسْكُوتًا عَنْهَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْعَقَارِ وَفِي الْمَسَافَةِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْحَمْلِ فِيمَا بَقِيَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ اهـ.
بِالْمَعْنَى، وَفِي النَّسَفِيَّةِ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَسَكَنَ فَخَرِبَ الْحَانُوتُ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ وَتَعَطَّلَ وَكَانَ يُمْكِنُهُ الِانْتِقَالُ فَلَمْ يَفْعَلْ وَسَكَنَ الْمُدَّةَ نُلْزِمُهُ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ هَذَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَحَمَلَ نِصْفَ الطَّرِيقِ وَأَعَادَهُ إلَى مَكَانِهِ الْأَوَّلِ فَلَا أَجْرَ لَهُ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَّةَ فَلَمْ يَرْكَبْهَا وَمَضَى رَاجِلًا إنْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي الدَّابَّةِ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فِي الدَّابَّةِ لَا أَجْرَ عَلَيْهِ طَالَبَهُ بِالْأُجْرَةِ بَعْدَ الْمُدَّةِ فَقَالَ قَصَّرْت فِي الْعَمَلِ فَلَكَ بَعْضُ الْأُجْرَةِ، وَقَالَ لَمْ أُقَصِّرْ فَلَهُ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ لَهُ الْعَصِيرَ فَحَمَلَهُ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا أَجْرَ لَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ خَمْرٌ فَلَا أَجْرَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَهُ الْأَجْرُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ فِي الِاخْتِلَافِ لَوْ اخْتَلَفَ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْآجِرُ بَعْدَ شَهْرٍ وَالْمِفْتَاحُ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ، وَقَالَ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى فَتْحِهِ، وَقَالَ الْمُؤَجِّرُ، بَلْ قَدَرْت عَلَى فَتْحِهِ وَسَكَنْت وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا يُحَكَّمُ الْحَالُ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَنْزِلِ. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ تَسْلِيمُ الْمِفْتَاحِ فِي الْمِصْرِ مَعَ التَّخْلِيَةِ قَبْضٌ وَفِي السَّوَادِ لَيْسَ بِقَبْضٍ وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ وُهِبَ الْعَبْدَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ قَبِلْت كَانَ ذَلِكَ إقَالَةً، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ الْإِجَارَةُ الْمُنَجَّزَةُ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَةَ لَا تَمْلِكُ الْأُجْرَةَ فِيهَا بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ وَقَوْلُهُ أَوْ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهُ يَعْنِي يَجِبُ بِالِاسْتِيفَاءِ لِلْمَنْفَعَةِ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا قَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذِهِ مُقَيَّدَةٌ بِقُيُودٍ، أَحَدُهَا: التَّمَكُّنُ فَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ بِأَنْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ سَلَّمَ

الصفحة 6