كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 8)

الدَّارَ مَشْغُولَةً بِمَتَاعِهِ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ. الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً فَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً فَلَا بُدَّ مِنْ حَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ. وَالثَّالِثُ: إنَّ التَّمَكُّنَ إنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْكُوفَةِ فَسَلَّمَهَا فِي بَغْدَادَ حِينَ مَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْمُدَّةِ فَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْكُوفَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَذَهَبَ بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ بِالدَّابَّةِ وَلَمْ يَرْكَبْ لَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَمَكَّنَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ دَارًا سَنَةً كَامِلَةً فَاسْتَأْجَرَهَا وَتَسَلَّمَهَا الْوَكِيلُ وَسَكَنَهَا هُوَ سَنَةً، قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا أَجْرَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَالْأُجْرَةُ عَلَى الْمَأْمُورِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْأَجْرُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ وَكِيلِهِ كَقَبْضِ نَفْسِهِ وَالْمَأْمُورُ غَاصِبٌ لِلسُّكْنَى فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرٌ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ مِنْهُ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ) يَعْنِي إذَا غَصَبَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ غَاصِبٌ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ، وَلَوْ فِي بَعْضِهَا فَبِقَدْرِهِ لِزَوَالِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَهُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ كَمَا بَيَّنَ، وَهَلْ تَنْفَسِخُ بِالْغَصْبِ؟ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ تَنْفَسِخُ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي فَتَاوِيهِ وَالْفَضْلِيُّ لَا تَنْفَسِخُ فَإِذَا أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَسْكُنَ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ لَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ مَنْعُهُ اهـ.
وَفِي قَاضِي خان أَيْضًا جَاءَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ إلَى الْغَاصِبِ، وَقَالَ الدَّارُ دَارِي إنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا فَهِيَ عَلَيْك كُلَّ شَهْرٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُنْكِرًا وَيَقُولُ الدَّارُ لِي وَيَسْكُنُ مُدَّةً فَأَقَامَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا دَارُهُ فَقُضِيَ لَهُ بِهَا لَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى. اهـ.
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فَجَحَدَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ مَقْصُورًا وَأَقَرَّ قَالَ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ قَصَّرَهُ قَبْلَ الْجُحُودِ لَهُ الْأَجْرُ وَإِنْ قَصَّرَهُ بَعْدَ الْجُحُودِ لَا أَجْرَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ صَبَّاغًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا إنْ صَبَغَهُ قَبْلَ الْجُحُودِ فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِنْ صَبَغَهُ بَعْدَهُ فَرَبُّ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا زَادَ فِيهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الثَّوْبَ وَضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان مَعْلُومٍ، فَلَمَّا بَلَغَ نِصْفَ الْمُدَّةِ أَنْكَرَ الْإِجَارَةَ لَزِمَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ مَا قَبْلَ الْإِنْكَارِ وَلَا يَلْزَمُ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ الثَّانِي، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُجْرَةُ بِنَفْسِ الْإِنْكَارِ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ يَوْمَ الْعَقْدِ أَلْفَانِ وَيَوْمَ الْجُحُودِ أَلْفٌ فَهَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ بَعْدَمَا مَضَتْ السَّنَةُ فَالْأُجْرَةُ لَازِمَةٌ وَتَجِبُ كُلُّ الْأُجْرَةِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى قَوْلِ الثَّانِي لَمَّا جَحَدَ فَقَدْ أَسْقَطَ الْأَجْرَ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ غَرِقَتْ الْأَرْضُ أَوْ انْقَطَعَ عَنْهَا الشِّرْبُ أَوْ مَرِضَ الْعَبْدُ سَقَطَ مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِهِ لِفَوَاتِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ فِي الْمُدَّةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً فَلَمْ يُسَلِّمْهَا الْآجِرُ حَتَّى مَضَى شَهْرٌ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا الِامْتِنَاعُ عَنْ التَّسْلِيمِ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَإِنْ كَانَتْ عَقْدًا وَاحِدًا حَقِيقَةً لَكِنَّهَا عُقُودٌ مُتَفَرِّقَةٌ مُضَافَةٌ إلَى مَا يُوجَدُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَقْتٌ يُرْغَبُ فِي الْإِجَارَةِ لِأَجْلِهِ، فَإِنْ كَانَ وَقْتٌ يُرْغَبُ فِي الْإِجَارَةِ لِأَجْلِهِ زِيَادَةُ رَغْبَةٍ كَحَانُوتٍ فِي سُوقِ رَوَاجِهِ فِي بَعْضِ السَّنَةِ أَوْ دَارٍ بِمَكَّةَ تُسْتَأْجَرُ سَنَةً لِأَجْلِ الْمَوْسِمِ فَلَمْ تُسَلَّمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرْغَبُ لِأَجْلِهِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فِي بَعْضِ الْبَاقِي دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ. اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِرَبِّ الدَّارِ وَالْأَرْضِ طَلَبُ الْأُجْرَةِ كُلَّ يَوْمٍ وَلِلْجَمَّالِ كُلَّ مَرْحَلَةٍ) يَعْنِي إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ مُطْلَقَةً وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهَا لِوَقْتِ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ فَلِلْمُؤَجِّرِ مَا ذَكَرَهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْإِجَارَةَ مُعَاوَضَةٌ وَالْمِلْكُ فِي الْمَنَافِعِ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ زَمَانَ الْعَقْدِ فَكَذَا الْمِلْكُ فِي الْأُجْرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَكَانَ الْإِمَامُ أَوَّلًا يَقُولُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ، ثُمَّ رَجَعَ لِمَا ذُكِرَ هُنَا وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تَجِبَ الْأُجْرَةُ سَاعَةً فَسَاعَةً إلَّا أَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ فَتَرَكْنَاهُ لِهَذَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ امْرَأَةٌ أَجَّرَتْ دَارَهَا مِنْ زَوْجِهَا، ثُمَّ أَسْكَنَهَا فِيهَا لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا شَهْرًا وَسَكَنَ فِيهَا مَعَ صَاحِبِ الدَّارِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ لَا أَدْفَعُ الْأُجْرَةَ لِعَدَمِ التَّخْلِيَةِ فَعَلَيْهِ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا فِي يَدِهِ لِوُجُودِ التَّخْلِيَةِ فِيهَا. اهـ.
وَلَوْ عَبَّرَ بِالْفَاءِ التَّفْرِيعِيَّةِ لَكَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ أَنَّهُ مُتَفَرِّعٌ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ وَالتَّمَكُّنِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ) يَعْنِي إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ مُطْلَقَةً عَنْ وَقْتِ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَ بَعْدَمَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ أَوْ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خان والتمرتاشي إذَا خَاطَ فِي

الصفحة 7