كتاب بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
مَعَ الشَّرَائِطِ الْمَذْكُورَةِ فِي الشَّخْصِيَّةِ، اخْتِلَافُ الْمَوْضُوعِ فِي الْقَضِيَّتَيْنِ بِالْكَمِّ أَيْ بِالْكُلْيَةِ وَالْجُزْئِيَّةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضُوعُ فِي إِحْدَاهُمَا كُلِّيًّا، وَفِي الْأُخْرَى جُزْئِيًّا ; لِأَنَّهُ إِنِ اتَّحَدَ الْمَوْضُوعُ فِي الْقَضِيَّتَيْنِ بِالْكَمِّ، جَازَ أَنْ يَكْذِبَا فِي الْكُلِّيَّةِ. مِثْلَ قَوْلِنَا: كُلُّ إِنْسَانٍ كَاتِبٌ، لَا شَيْءً مِنَ الْإِنْسَانِ بِكَاتِبٍ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْكَاتِبِ عَلَى الْإِنْسَانِ حُكْمٌ بِعَرَضِيٍّ خَاصٍّ بِهِ، غَيْرِ شَامِلٍ لِجَمِيعِ أَفْرَادِهِ، فَلَا يَصْدُقُ السَّلْبُ عَنْ كُلِّ أَفْرَادِهِ، وَلَا الثُّبُوتُ لِكُلِّهَا ; ضَرُورَةَ ثُبُوتِهِ لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ، وَسَلْبِهِ عَنْ بَعْضِهَا.
وَأَنْ يَصْدُقَا، أَيْ إِنِ اتَّحَدَ الْمَوْضُوعُ فِي الْقَضِيَّتَيْنِ بِالْكَمِّ، جَازَ أَنْ يَصْدُقَا فِي الْجُزْئِيَّةِ، كَقَوْلِنَا: بَعْضُ الْإِنْسَانِ كَاتِبٌ، بَعْضُ الْإِنْسَانِ لَيْسَ بِكَاتِبٍ ; لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ فِي الْقَضِيَّةِ الْجُزْئِيَّةِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِالسَّلْبِ غَيْرَ الْبَعْضِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالْإِيجَابِ، فَيَجُوزُ صِدْقُهُمَا مَعًا.
وَإِذَا بَيَّنَ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَوْضُوعِ بِالْكَمِّ شَرْطٌ فِي تَنَاقُضِ الْمَحْصُورَتَيْنِ، فَنَقِيضُ الْكُلِّيَّةِ الْمُثْبَتَةِ، أَيِ الْمُوجَبَةِ، جُزْئِيَّةٌ سَالِبَةٌ. كَقَوْلِنَا: كُلُّ إِنْسَانٍ حَيَوَانٌ ; فَإِنَّ نَقِيضَهُ: بَعْضُ الْإِنْسَانِ لَيْسَ بِحَيَوَانٍ. وَنَقِيضُ الْقَضِيَّةِ الْجُزْئِيَّةِ الْمُوجَبَةِ، سَالِبَةٌ كُلِّيَّةٌ، كَقَوْلِنَا: بَعْضُ الْحَيَوَانِ إِنْسَانٌ، فَإِنَّ نَقِيضَهُ: لَا شَيْءَ مِنَ الْحَيَوَانِ بِإِنْسَانٍ.
وَإِذَا كَانَتِ السَّالِبَةُ الْجُزْئِيَّةُ نَقِيضًا لِلْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ، وَالسَّالِبَةُ الْكُلِّيَّةُ نَقِيضًا لِلْمُوجَبَةِ الْجُزْئِيَّةِ، تَكُونُ الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ نَقِيضًا لِلسَّالِبَةِ الْجُزْئِيَّةِ، وَالْمُوجَبَةُ الْجُزْئِيَّةُ نَقِيضًا لِلسَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ; لِأَنَّ التَّنَاقُضَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ.
[العكس المستوي]
ش - لَمَّا ذَكَرَ التَّنَاقُضَ، شَرَعَ فِي بَيَانِ الْعَكْسِ، وَبَدَأَ بِالْعَكْسِ الْمُسْتَوِي، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَحْوِيلِ مُفْرَدَاتِهَا، أَيْ تَبْدِيلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ طَرَفَيِ الْقَضِيَّةِ، أَعْنِي الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ وَبِهِ، بِالْآخَرِ، فَيَتَنَاوَلُ عَكْسَ الْحَمْلِيَّاتِ وَالشَّرْطِيَّاتِ ; لِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ يَتَنَاوَلُ الْمَوْضُوعَ وَالْمُقَدَّمَ، وَالْمَحْكُومُ بِهِ يَتَنَاوَلُ الْمَحْمُولَ، وَالتَّالِي.
قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ يَصْدُقُ. فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُنَا: بَعْضُ الْإِنْسَانِ حَيَوَانٌ، عَكْسًا لِقَوْلِنَا: بَعْضُ الْحَيَوَانِ لَيْسَ بِإِنْسَانٍ ; لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذَا التَّعْرِيفُ ; لِأَنَّهُ بَدَّلَ كُلٍّا مِنَ الطَّرَفَيْنِ بِالْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ يَصْدُقُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ ; لِأَنَّ عَكْسَ السَّالِبَةِ لَا يَكُونُ مُوجَبَةً وَبِالْعَكْسِ.
اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ: " عَلَى وَجْهٍ يَصْدُقُ " أَنَّهُ عَلَى وَجْهٍ مَتَى صَدَقَ الْأَصْلُ الْعَكْسُ; لِأَنَّ بَقَاءَ الصِّدْقِ بِهَذَا الْمَعْنَى شَرْطٌ فِي الْعَكْسِ ; لِأَنَّ الْعَكْسَ لَازِمُ الْأَصْلِ، وَصِدْقُ اللَّازِمِ شَرْطٌ فِي صِدْقِ الْمَلْزُومِ. وَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ بَقَاءُ الْكَيْفِ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْجُمْهُورَ اصْطَلَحُوا عَلَى هَذَا.
ش - عَكْسُ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ جُزْئِيَّةٌ مُوجَبَةٌ ; لِأَنَّهُ إِذَا صَدَقَ قَوْلُنَا: كُلُّ ج ب، وَجَبَ أَنْ يَصْدُقَ بَعْضُ ب ج، وَإِلَّا لَصَدَقَ نَقِيضُهُ، وَهُوَ قَوْلُنَا: لَا شَيْءَ مِنْ ب ج.
فَيُجْعَلُ كُبْرَى الْأَصْلِ هَكَذَا: كُلُّ ج ب وَلَا شَيْءَ مِنْ ب ج، يَنْتُجُ: لَا شَيْءَ مِنْ ج ج. هَذَا خُلْفٌ.
وَلَا يَنْعَكِسُ الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ إِلَى الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ ; لِجَوَازِ كَوْنِ الْمَحْمُولِ أَعَمَّ مِنَ الْمَوْضُوعِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَصْدُقُ الْعَكْسُ كُلِّيًّا. كَقَوْلِنَا: كُلُّ إِنْسَانٍ حَيَوَانٌ، فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ كُلُّ حَيَوَانٍ إِنْسَانٌ فِي عَكْسِهِ.
وَعَكْسُ الْكُلِّيَّةِ السَّالِبَةِ مِثْلُهَا، أَيِ السَّالِبَةُ الْكُلِّيَّةُ ; لِأَنَّهُ إِذَا صَدَقَ لَا شَيْءٌ مِنْ ج ب، وَجَبَ أَنْ يَصْدُقَ لَا شَيْءَ مِنْ ب ج

الصفحة 104