كتاب بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
فَإِنْ قِيلَ: مَا قِيلَ فِي عَدَمِ خُرُوجِهِ بِقَوْلِهِ: " عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ " يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي عَدَمِ خُرُوجِهِ بِـ " الِاسْتِدْلَالِ ". أُجِيبَ بِأَنَّ تَقْدِيرَهُ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ، أَيْ عَلَى الْعِلْمِ، وَاعْتِقَادُ الْمُسْتَفْتِي لَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ. هَذَا إِذَا أُرِيدَ بِالْعِلْمِ الْمَعْنَى الْأَعَمُّ.
وَأَمَّا إِذَا أُرِيدَ بِالْعِلْمِ: الْيَقِينُ، يَلْزَمُ بُطْلَانُ التَّعْرِيفِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلِ الْعِلْمُ حِينَئِذٍ اعْتِقَادَ الْمُسْتَفْتِي، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى قَيْدٍ يُخْرِجُهُ، فَيَكُونُ قَيْدُ " الِاسْتِدْلَالِ " ضَائِعًا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَرِدُ الشُّبْهَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَهِيَ: أَنَّ الْفِقْهَ مِنْ بَابِ الظُّنُونِ ; لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ. وَالْمُسْتَفَادُ مِنَ الظَّنِّيِّ ظَنِّيٌّ، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عِلْمًا. وَمَا ذَكَرُوهُ فِي جَوَابِهِ ضَعِيفٌ.
أَمَّا تَقْرِيرُ الْجَوَابِ، فَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفِقْهَ مِنْ بَابِ الظُّنُونِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْأَحْكَامِ، وَهُوَ قَطْعِيٌّ ; لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إِذَا ظَنَّ الْحُكْمَ، حَصَلَ عِنْدَهُ مُقُدِّمَتَانِ قَطْعِيَّتَانِ. إِحْدَاهَا: أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَظْنُونٌ. وَهِيَ ضَرُورِيَّةٌ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مَظْنُونٌ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ لِلْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ الظَّنَّ هُوَ الْحُكْمُ بِالطَّرَفِ الرَّاجِحِ. فَإِمَّا أَنْ يُعْمَلَ بِهِ وَبِالطَّرَفِ الْآخَرِ فَيَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ.

الصفحة 23