كتاب بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ ظَاهِرًا وَحَمَلَهُ الرَّاوِي عَلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ، فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الظُّهُورِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى مَا حَمَلَهُ الرَّاوِي عَلَيْهِ مِنَ التَّأْوِيلِ. وَفِي مِثْلِ هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " كَيْفَ أَتْرُكُ الْحَدِيثَ لِقَوْلِ مَنْ لَوْ عَاصَرْتُهُ لَحَجَجْتُهُ ".
وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَا حَمَلَهُ الرَّاوِي عَلَيْهِ، احْتَجَّ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدِ الرَّاوِيَ دَلِيلًا رَاجِحًا لَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ قَادِحًا فِي عَدَالَتِهِ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ رَاجِحًا بِاجْتِهَادِهِ وَلَمْ يَكُنْ رَاجِحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ نَصًّا وَعَمِلَ الرَّاوِي بِخِلَافِهِ، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْخَبَرُ مَنْسُوخًا عِنْدَ الرَّاوِي، وَإِلَّا لَمَا عَمِلَ الرَّاوِي بِخِلَافِهِ.
وَفِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِهَذَا النَّصِّ نَظَرٌ ; لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنَ الظَّاهِرِ، وَالظَّاهِرُ لَا يَكُونُ مَتْرُوكًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ إِذَا تَرَكَ الرَّاوِي الْعَمَلَ بِهِ، فَالنَّصُّ أَوْلَى أَنْ لَا يُتْرَكَ.
فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّصَّ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُتْرَكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّصَّ دَلَالَتُهُ قَطْعِيَّةٌ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَعْنَاهُ، فَلَا يَكُونُ تَرْكُ الرَّاوِي إِيَّاهُ لِلِاجْتِهَادِ، بَلْ لِنَصٍّ رَاجِحٍ. بِخِلَافِ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ غَيْرَ مَعْنَاهُ، جَازَ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ لِأَجْلِ اجْتِهَادِهِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِالنَّصِّ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُقْتَضِي لِلْعَمَلِ بِهِ مُتَحَقِّقٌ، بِخِلَافِ عَمَلِ الرَّاوِي فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُخَالَفَتُهُ لِنَصٍّ آخَرَ، ظَنَّهُ الرَّاوِي نَاسِخًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

الصفحة 751