كتاب بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب (اسم الجزء: 3)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الْآخَرِ. فَإِذَا كَانَ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنِ الْوَصْفِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي عَدَمِ الْعِلِّيَّةِ، وَجَبَ أَنْ يَقَعَ الشَّكُّ فِي الْعِلِّيَّةِ، فَلَا يَبْقَى ظُهُورُ دَلَالَةِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ، فَيَقَعُ التَّعَارُضُ.
الثَّانِي: لَوْ قَدَحَ النَّقْضُ فِي الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ، لَتَوَقَّفَ كَوْنُ الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ أَمَارَةً لِلْحَكَمِ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، وَهُوَ مَحَلُّ النَّقْضِ، وَلَوْ تَوَقَّفَ كَوْنُهَا أَمَارَةً لِلْحَكَمِ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، لَانْعَكَسَ، أَيْ تَوَقَّفَ الْحُكْمُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ عَلَى كَوْنِ الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ أَمَارَةً لِلْحُكْمِ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ.
قَوْلُهُ: " وَإِلَّا " أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْعَكِسْ يَلْزَمُ التَّحَكُّمُ.
أَجَابَ بِأَنَّهُ دَوْرُ مَعِيَّةٍ، فَلَا يَكُونُ بَاطِلًا.
وَالْحَقُّ أَنَّ اسْتِمْرَارَ الظَّنِّ بِكَوْنِ الْوَصْفِ أَمَارَةً لِلْحُكْمِ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْمَانِعِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ أَوْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهِ وَوُجُودِ الْمَانِعِ، وَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ظُهُورِ كَوْنِ الْوَصْفِ أَمَارَةً، لَا عَلَى اسْتِمْرَارِ الظَّنِّ بِكَوْنِهِ أَمَارَةً، فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ.
[هل الكسر قادح في العلة]
ش - اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي الْكَسْرِ، وَهُوَ وُجُودُ الْحِكْمَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهُ.
وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْعِلَّةَ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّقْضِ أَنَّ النَّقْضَ هُوَ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنِ الْوَصْفِ الضَّابِطِ لِلْحِكْمَةِ، وَالْكَسْرُ تَخَلُّفُهُ عَنْ حِكْمَةِ الْحِكَمِ.
مِثَالُهُ: قَوْلُ الْحَنَفِيِّ فِي الْعَاصِي بِالسَّفَرِ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ سَفَرُهُ مَعْصِيَةً كَالْآبِقِ: مُسَافِرٌ، فَيَتَرَخَّصُ بِرُخَصِ السَّفَرِ كَغَيْرِ الْعَاصِي، ثُمَّ يُبَيِّنُ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ السَّفَرِ وَالرُّخَصِ بِاشْتِمَالِ السَّفَرِ عَلَى الْمَشَقَّةِ، فَيَعْتَرِضُ الشَّافِعِيُّ بِصَنْعَةٍ شَاقَّةٍ فِي الْحَضَرِ، مِثْلِ صَنْعَةِ الْحَدَّادِينَ، فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ مُتَحَقِّقَةٌ ثَمَّةَ مَعَ تَخَلُّفِ رُخَصِ الْمُسَافِرِ عَنْهَا.
وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُخْتَارِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْوَصْفُ الضَّابِطُ لِلْحِكْمَةِ، لَا الْحِكْمَةُ لِعُسْرِ انْضِبَاطِهَا، فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ، وَالشَّارِعُ لَمْ يَجْعَلْ مَا يَعْسُرُ انْضِبَاطُهُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ، فَلَا يَرِدُ النَّقْضُ عَلَى مَا هُوَ عِلَّةٌ.
ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْكَسْرَ يُبْطِلُ الْعِلَّةَ، قَالُوا: الْحِكْمَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْعِلِّيَّةِ قَطْعًا، لَا الْوَصْفُ الضَّابِطُ لِلْحِكْمَةِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ هُوَ الْحِكْمَةُ، وَالْوَصْفُ عُنْوَانُ الْحِكْمَةِ وَضَابِطُهَا. فَحِينَئِذٍ يُرَدُّ النَّقْضُ لِوُجُودِ الْحِكْمَةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهَا.
أَجَابَ بِأَنَّ نَقْضَ الْحِكْمَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِ قَدْرِ الْحِكْمَةِ الْمُسَاوِيَةِ لِحِكْمَةِ الْأَصْلِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، وَتَحَقُّقُ قَدْرِ الْحِكْمَةِ الْمُسَاوِيَةِ لِحِكْمَةِ الْأَصْلِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ مَظْنُونٌ، إِذْ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْقَدْرُ الْمَوْجُودُ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ أَقَلَّ مِنَ الْقَدْرِ الْمَوْجُودِ فِي الْأَصْلِ، وَبِتَقْدِيرِ وُجُودِ قَدْرِ الْحِكْمَةِ الْمُسَاوِيَةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّخَلُّفُ لِمُعَارِضٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَلَعَلَّهُ لِمُعَارِضٍ "، فَيَكُونُ وُجُودُ قَدْرِ الْحِكْمَةِ الْمُسَاوِيَةِ لِحِكْمَةِ الْأَصْلِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ بِدُونِ مُعَارِضٍ مَظْنُونًا، وَالْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ مَوْجُودَةٌ قَطْعًا، وَالظَّنُّ لَا يُعَارِضُ

الصفحة 47