كتاب البيان والتحصيل (اسم الجزء: 7)

قال محمد بن رشد: ما أقطعه أمير المؤمنين من أموال المسلمين التي يجوز بيعها، فإقطاعه حكم لا يجوز له الرجوع فيه في حياة المقطع ولا بعد وفاته؛ وهو مال من ماله بنفس الإقطاع، يورث عنه كسائر ماله، وهو قول ابن القاسم، في سماع يحيى، من كتاب السداد والأنهار؛ فمعنى هذه المسألة أن الذي أقطعه أمير المؤمنين البقعة فبناها، لما أراد بيعها خشي أن تكون البقعة التي أقطع إياها، لم يستحسن ملكها المسلمين، وأن يكون لها رب يقوم فيها فيستحقها، أو لعله علم ذلك، فقال للمبتاع: إنما أبيعك البنيان والأبواب والقصب - والبقعة تبع لذلك، فلا تباعة لك علي فيها - إن استحقت من يدك تحيلا؛ لإسقاط الرجوع عليه بالاستحقاق؛ وهذا من التحيل لإجازة ما لا يجوز، نحو ما حكى ابن حبيب في الواضحة، في الرجل تكون له رحى طاحنة، فيريد كراءها، ويقول للمكتري: إنما أكري منك البيت والقنوات فارغة دون شيء من آلة الرحى؛ لئلا يرجع عليه بما تعطلته الرحى من قلة الماء، أو ذهاب آلتها؛ فالكراء على هذا فاسد، فوجب أن يكون البيع فاسدا، كما لو باع الدار بشرط أن استحقت بقعتها لم تكن علي تباعة، ولو باع معه البنيان خاصة دون البقعة على أن يقلعه، أو على أن يكون شريكا معه في الدار بقيمة البنيان من قيمة البقعة؛ لكان البيع على هذا جائزا، وقد قال ابن دحون: إنما لم يجز هذا البيع؛ لأنه غرر، لا يدري متى يأخذ السلطان أرضه ويخرجه، ولا متى يزيد عليه في كراء الأرض فينقص ثمن النقض لكثرة كراء البقعة، وهذا غير صحيح؛ إذ ليس للإمام أن يرجع فيما أقطع في حياة المقطع، ولا بعد وفاته، فيلزم المبتاع كراء البقعة؛ وهذا بيّن.
وقد استدل جماعة من الشيوخ أيضا بهذه المسألة على أنه لا يجوز بيع الأنقاض المبتنات في

الصفحة 365