كتاب البيان والتحصيل (اسم الجزء: 18)

أنت أخي حقا لم تغيرك الدنيا. ويروى أنه قال: كلنا غيرته الدنيا غيرك يا أبا عبيدة. وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح» . والمعنى في هذا أنه في أرفع مراتب الأمانة، ولا أحد أرفع مرتبة منه فيها، ولا يمتنع أن يكون غيره من الصحابة في مرتبته من الأمانة. وهذا مثل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أبي ذر: «ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر،» لأن المعنى في ذلك أنه في أعلى مراتب الصدق، فلا ينتفي أن يكون في أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من هو في الصدق مثله، وإنما ينتفي أن يكون غيره أعلى مرتبة منه في الصدق. وبالله التوفيق.

[الحكم في البعير الضال]
في الحكم في البعير الضال قال مالك: أرسل الحسن بن زيد يسألني عن رجل أصاب ثلاثة أبعرة ضالة فقال إنها قد أكلتني، فاستشارني فيها، فأمرته أن يأمره أن يرسلها حيث أصابها.
قال محمد بن رشد: ثبت «عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال في ضالة الإبل: ما لك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتكل الشجر حتى يلقاها ربها» . والاختيار فيها أن لا تؤخذ، فإن أخذت عرفت، فإن لم تعرف ردت حيث وجدت، جاء ذلك عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأخذ به مالك في أحد قوليه، وهو قوله في هذه الرواية وفي المدونة وفي رسم الأقضية من سماع أشهب من كتاب اللقطة؛ وقيل إنها تؤخذ وتعرف فإن لم تعرف بيعت

الصفحة 12