كتاب البلاغة العمرية
بعث آخراً واصطفي أولاً، وجعلنا من أهل طاعته، وعتقاء شفاعته.
أما بعد؛ فهذا كتاب فريد في بابه، مُسْتَوْعِب لأَطْرَافِ الْفَنِّ، جَامِع لِشَتِيت الْفَوَائِد، وَمَنْثُور الْمَسَائِل، وَمُتَشَعِّب الأَغْرَاضِ، تخيّرت فيه من جواهر كلام الفاروق عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما حفلت به كتب الآثار.
وصنعت فيه صَنْعَة الشريف الرضي في سِفره (نهج البلاغة)، إذ جمع من كلام أبي السبطين علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما صح سنده وما لم يصح، غير أني جانبت طريقته في نِسبة كثير من الحكم والخطب إليه مما ثبت أنها لغيره أو نُحِلت على لسانه، فخلّفت ورائي من الفرائد الكثير، حين لاح لي زيف نِسبتها.
وقد أعرضت عن التعرض للحُكْمِ على أغلبِ رواياتِ هذا السِفر عن عمد، رغم وقوفي على رُتَبِها، لمَّا كانت الغاية من كتابة هذا السِفر، جمع ما تناثر في الكتب من خُطب الفاروق عمر وكتبه وحِكمه، ليسوغ لمِثلي أن يتمَثَّل بعد هذا قول الفرزدق لجرير مفتخراً:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعَتْنا يا جرير المجامعُ
والبلاغة كما فسَّرها أهل الفن: هي موافقة الكلام مقتضى الحال، مع الفصاحة والإيجاز.
وما أبلغ تعبير القدماء من أعلام الأمة إذ قالوا أنها: بلوغ دقيق المعاني بجليل الكلام.
الصفحة 10
439