كتاب البلاغة العمرية

وَالْحُجَّةَ يُعِينُكَ اللهُ عَلَى مَا وَلَّاكَ، خُضِ الْغَمَرَاتِ إِلَى الْحَقِّ حَيْثُ عَلِمْتَهُ، وَلَا تَخْشَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. قَالَ عُمَرُ: ((وَيْحَكَ، مَنْ يُطِيقُ هَذَا يَا سَعِيدُ بْنَ عَامِرٍ؟)) قَالَ: مَنْ قَطَعَ اللهُ فِي عُنُقِهِ مِثْلَ الَّذِي قَطَعَ فِي عُنُقِكَ، إِنَّمَا عَلَيْكَ أَنْ تَامُرَ فَيُطَاعَ أَمْرُكَ أَوْ يُتْرَكَ، فَتَكُونَ لَكَ الْحُجَّةُ، قَالَ عُمَرُ: ((إِنَّا سَنَجْعَلُ لَكَ رِزْقًا))، قَالَ: قَدْ جُعِلَ لِي مَا يَكْفِينِي دُونَهُ، وَمَا أَنَا مُزْدَادٌ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، يَعْنِي عَطَاءَهُ. فَكَانَ إِذَا خَرَجَ عَطَاءَهُ نَظَرَ إِلَى قُوتِ أَهْلِهِ مِنْ طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ فَعَزَلَهُ، وَنَظَرَ إِلَى بَقِيَّتِهِ فَتَصَدَّقَ بِهِ، فَيُقَالُ لَهُ: أَيْنَ مَالُكَ؟ فَيَقُولُ: أَقْرَضْتُهُ، فَأَتَى نَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ لِقَوْمِكَ عَلَيْكَ حَقًّا.
قَالَ: مَا أَسْتَاثِرُ عَلَيْهِمْ وَإِنَّ يَدَيَّ مَعَ أَيْدِيهِمْ، وَمَا أَنَا بِطَالِبٍ رِضَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ بِطِلْبَتِي الْحُورَ العِينِ، لَوِ اطَّلَعَتْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ لَأَشْرَقَتْ لَهَا الْأَرْضُ كَمَا تُشْرِقُ الشَّمْسُ لِأَهْلِ الدُّنْيَا، وَمَا أَنَا مُتَخَلِّفٌ عَنِ الْعُنُقِ الْأَوَّلِ، بَعْدَ أَنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: يَجِيءُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ يُزَفُّونَ كَمَا تُزَفُّ الْحَمَامُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: قِفُوا لِلْحِسَابِ، فَيَقُولُونَ: وَاللهِ مَا تَرَكْنَا شَيْئًا نُحَاسَبُ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقَ عِبَادِي، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ سَبْعِينَ، أَوْ قَالَ: أَرْبَعِينَ عَامًا (¬1).
¬_________
(¬1) رواه المعافى بن عمران الموصلي في الزهد (42) والطبراني في المعجم الكبير (5508) وابن عساكر في تاريخ دمشق: 21/ 145 وابن الجوزي في المنتظم: 4/ 301.

الصفحة 111