كتاب البلاغة العمرية
((قَدْ سَمِعْنَاكَ وَنَحْنُ حِينَئِذٍ عَلَى شُغْلٍ، فَلَوْ مَا اسْتَاذَنْتَ حَتَّى يُؤْذَنَ لَكَ))، فقال أبو موسى: اسْتَاذَنْتُ كَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬1) -، فقال عمر: ((فَوَاللهِ، لَأُوجِعَنَّ ظَهْرَكَ وَبَطْنَكَ، أَوْ لَتَاتِيَنَّ بِمَنْ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا (¬2))) (¬3).
[186] وَمِنْ كَلاَمٍ لَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
لكعب الأحبار
((إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ أَمْرٍ فَلا تَكْتُمْنِي)). قال كعب: وَاللهِ لَا أَكْتُمُكَ
¬_________
(¬1) وهو الحديث الآتي ذكره.
(¬2) فَأَتَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ مَجْلِس أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، مُغْضَبًا حَتَّى وَقَفَ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ هَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: ((الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ، وَإِلَّا فَارْجِعْ))؟ قَالَ أُبَيٌّ: وَمَا ذَاكَ؟ فذكر له القصة، فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: (فَوَاللهِ، لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَحْدَثُنَا سِنًّا، قُمْ يَا أَبَا سَعِيدٍ)، فَقام أبو سعيد الخدري حَتَّى أَتَيْتُ عُمَرَ، فقال: قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ هَذَا.
فائدة: قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري: 1/ 76): (وَفِي الْقِصَّةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَخْفَى عَلَى بَعْضِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهَا آحَادُهُمْ وَلِهَذَا لَا يُلْتَفَتُ إِلَى الْآرَاءِ وَلَوْ قَوِيَتْ مَعَ وُجُودِ سُنَّةٍ تُخَالِفُهَا وَلَا يُقَالُ كَيْفَ خَفِيَ ذَا عَلَى فُلَانٍ؟).
وقال في (12/ 251): (وَفِيهِ أَنَّ الْوَقَائِعَ الْخَاصَّةَ قَدْ تَخْفَى عَلَى الْأَكَابِرِ وَيَعْلَمُهَا مَنْ دُونَهُمْ وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى الْمُقَلِّدِ إِذَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِخَبَرٍ يُخَالِفُهُ فَيُجِيبُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَعَلِمَهُ فُلَانٌ مَثَلًا فَإِنَّ ذَلِكَ إِذَا جَازَ خَفَاؤُهُ عَنْ مِثْلِ عُمَرَ فَخَفَاؤُهُ عَمَّنْ بَعْدَهُ أَجْوَزُ).
(¬3) رواه مسلم في صحيحه (2153) وابن حبان في صحيحه (5810) وابن حزم في حجة الوداع (426) والبيهقي في الآداب (210).
الصفحة 125