كتاب بلاغ الرسالة القرآنية
وأما التجذير فهو غرس جذور المقبلين على الخطاب القرآني وبصائره، المستزيدين من حقائقه. وإنما التجذير المفيد هاهنا هو (التجذير المتعدد الإنبات)، ذلك أن جذور النبات والشجر على نوعين: نوع مقتصر في وظيفته على نبتة واحدة، أو شجرة واحدة؛ إمداداً عموديّاً بالماء والغذاء، ونوع ثان له طبيعة متكاثرة متناسلة، بحيث تتعدى وظيفته إمداد شجرته أو نبتته؛ إلى إنبات شجرة أخرى جديدة، أو إخراج نبتة أخرى جديدة، بصورة أفقية، تتكاثر شجراً، أو نباتاً متناثراً هنا وهناك، فمثال ذلك في الشجر: القصب والصفصاف ونحوهما، ومثاله في النبات: النجم البري، وكذلك النجم الرومي الذي تزين به اليوم الحدائق العامة. فمثل هذه الأشجار والنباتات بمجرد ما تضع لها في التربة جذراً واحداً وتسقيه بماء حتى يقوم بوظيفتين: الأولى أنه ينبت نبتته الخضراء، والثانية: أنه يسرح تحت الأرض ليفتق التربة في مكان آخر، بنبتة أخرى جديدة. ويتكاثر ذلك بصورة متوالية؛ حتى يخضر المكان كله، ويفيض بالنبات، أو الشجر، كذلك المؤمنون المستجيبون لبلاغ الرسالة القرآنية، فإنهم تمد لهم جذور التربية في تربة الرباطات، ويسقون بعد ذلك بماء المجالسات.
ويمكن أن يربطوا بهذه قبل تلك، لا حرج عليك بأيهما بدأت، حسبما تيسر لك، لكن بشرط أن يؤول الغرس في
الصفحة 174
182