كتاب البيان في مذهب الإمام الشافعي (اسم الجزء: 2)

و [الثانية] : قيل: إن المؤذنين أكثر الناس أتباعًا يوم القيامة؛ لأنه يتبعهم كل من صلى بأذانهم، يقال: جاءني عنق من الناس، أي: جماعة.
و [الثالثة] : قيل: إن أعناقهم تطول، حتى لا ينالهم العرق يوم القيامة؛ لأنه روي: «أن العرق يلجم الناس يوم القيامة» .
و [الرابعة] : قيل: أطول الناس أصواتًا، وعبر بالعنق عن الصوت؛ لأنه منه يخرج.
و [الخامسة] : قيل: إعناقًا - بكسر الهمزة - أي: أشد الناس إسراعًا في السير.
إذا ثبت هذا: فهل هو أفضل، أو الإمامة في الصلاة؟ فيه أربعة أوجه:
أحدها - وهو قول أكثر أصحابنا -: أن الأذان أفضل؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المؤذنون أمناء، والأئمة ضمناء، فأرشد الله الأئمة، وغفر للمؤذنين» .
والأمين أحسن حالاً من الضمين. ولأنه دعا للأئمة بالرشد، وللمؤذنين بالمغفرة، والغفران أفضل من الرشد.
ومعنى قوله: (أمناء) أي: على المواقيت، فلا يؤذنون قبل دخول الوقت.
وقيل: لأنهم يشرفون على موضع عال، فيكونون أمناء على الحرم.
وقيل: أمناء في تبرعهم بالقيام بالأذان وليس بفرض.
فأما الأئمة: فإنهم (ضمناء) إذا قاموا بفرض الصلاة، فيسقط فرض الكفاية عن سائر الناس.

الصفحة 56