كتاب البيان في مذهب الإمام الشافعي (اسم الجزء: 4)

هذا مذهبنا، وبه قال الأوزاعي، والثوري، ومحمد بن الحسن.
وقال أبو يوسف: الحج يجب على الفور، فمتى أخر الحج عن أول سنة يمكنه الحج فيها.. أثم، وبه قال مالك، وأحمد، والمزني، وكان الكرخي يقول: هو مذهب أبي حنيفة. وليس بمشهور عنه.
واحتجوا بقوله ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ: «من وجد من الزاد والراحلة ما يبلغه الحج، فلم يحج.. فليمت: إن شاء يهوديا، أو نصرانيا» ، فلو كان على التراخي.. لما توعده.
دليلنا: ما روي: أن فريضة الحج أنزلت سنة ست من الهجرة، وحكى الطبري وجها آخر: أنه كان واجبا قبل الهجرة، وليس بشيء.
وبالإجماع: أن النبي ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ لم يحج إلا سنة عشر من الهجرة ومعه مياسير الصحابة، مثل: عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وغيرهما، فلو كان الحج على الفور.. لما جاز لهم التأخير مع إمكانه.
فإن قيل: إنما أخره النبي ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ إلى سنة عشر؛ لأن المشركين صدوه عن المسجد الحرام، أو كان غير واجد للزاد والراحلة إلى سنة عشر.
فالجواب: أن هذا غلط؛ لأن النبي ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ أحصر بالحديبية سنة ست، وفيها نزل قَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] [البقرة: 196] فخرج إليه سهيل بن عمرو، وصالحه على: أن يرجع إلى المدينة تلك السنة، ثم يرجع إلى مكة العام المقبل، فرجع إلى المدينة، ثم دخل مكة في العام المقبل معتمرا، ولهذا سميت عمرة القضاء، وقد كان يمكنه أن يجعل بدل العمرة الحج.

الصفحة 46