كتاب البيان في مذهب الإمام الشافعي (اسم الجزء: 5)

بالمجلس، كخيار المجلس. فإن اختار إمضاء البيع قبل الرؤية.. لم يصح؛ لأن الخيار متعلق بالرؤية، ولأنه يؤدي إلى أن يلزمه المبيع، وهو مجهول الصفة، وإن فسخ البيع قبل الرؤية.. صح الفسخ؛ لأن الفسخ يصح في المجهول.
وإذا باع ما رآه البائع، ولم يره المشتري.. فهل يثبت الخيار للبائع؟ فيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ، والطبري:
أحدهما: يثبت له؛ لأنه خيارٌ ثبت بمطلق العقد، فاشترك فيه البائع والمشتري، كخيار المجلس.
والثاني: لا يثبت له، وهو المنصوص للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في (الصرف) ؛ لأنه أحد المتبايعين، فلا يثبت له خيار الرؤية مع تقدم الرؤية، كالمشتري.
وأمّا إذا كان البائع لم يشاهد المبيع، وباع، وقلنا: يصح بيعه.. فهل يثبت له الخيار إذا رأى المبيع؟ فيه وجهان:
أحدُهما ـ وهو قول القفّال، وأبي حنيفة ـ: أنه لا يثبت للبائع الخيار؛ لأنا لو أثبتنا له الخيار.. لكنَّا قد أثبتنا له الخيار لتوهم الزيادة، والزيادة في المبيع لا تثبت الخيار، ألا ترى أنه لو باع شيئًا على أنه معيب، فبان أنه غير معيب.. لم يثبت له الخيار، ولو اشترى شيئًا على أنه غير معيب، فبان معيبًا.. ثبت له الخيار؟ ! والثاني ـ وهو قول الشيخ أبي حامد ـ: أنه يثبت للبائع الخيار؛ لأنه جاهل بصفة المعقود عليه، فأشبه المشتري، ولأن الخيار لا يتعلق بالزيادة والنقصان، ألا ترى أن المشتري لو قال: هو فوق ما طلبته، ولكن قد اخترت الفسخ.. جاز الفسخ؟!
إذا ثبت هذا: فإن كان المشتري قد رآه، دون البائع، وقلنا: يثبت الخيارُ للبائع.. فهل يثبت الخيار للمشتري معه؟ يحتمل الوجهين في ثبوت الخيار للبائع مع تقدم رؤيته له، وقد مضى توجيههما.

الصفحة 84