كتاب البيان في مذهب الإمام الشافعي (اسم الجزء: 9)

وقال ابن مسعود - في إحدى الروايتين عنه-: (يشتركان في السدس) .
وهذا ليس بصحيح، لأنهما من جهة واحدة، لأنهما يدليان بالأب، وإحداهما أقرب من الأخرى، فسقطت البعدى منهما بالقربى، كأم الأم إذا اجتمعت مع أم أم الأم.
وإن كانتا من جهتين: إحداهما من جهة الأم، والأخرى من جهة الأب.. نظرت: فإن كانت القربى من جهة الأم، والبعدى من جهة الأب.. فإن القربى تسقط البعدى.
وقال ابن مسعود: (لا تسقطها، وإنما يشتركان في السدس) .
دليلنا: أن إحداهما أقرب من الأخرى فسقطت البعدى بالقربى، كما لو كانتا من جهة واحدة.
وإن كانت القربى من جهة الأب، والبعدى من جهة الأم.. ففيه قولان:
أحدهما: أن البعدى منهما تسقط بالقربى- وبه قال علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهو قول أهل الكوفة، ورووا ذلك عن زيد بن ثابت - لأنهما جدتان لو انفردت كل واحدة منهما.. لكان لها السدس، فإذا اجتمعتا.. وجب أن تسقط البعدى بالقربى، كما لو كانت القربى من جهة الأم.
والثاني: لا تسقط البعدى بالقربى، بل تشتركان في السدس - وهي الرواية الثانية عن زيد، رواها المدنيون عنه- وهو الصحيح، لأن الأب لو اجتمع مع أم الأم.. لم يحجبها وإن كان أقرب منها، فلأن لا تسقط الجدة التي تدلي به من هو أبعد من جهة الأم أولى.

الصفحة 46