كتاب البيان في مذهب الإمام الشافعي (اسم الجزء: 12)

وقال أبُو حَنِيفَة: (إذا وهبها منه وأقبضه إياها.. سقط عنه القطع، سواء كان قبل الترافع إلى الحاكم أو بعد الترافع) .
وقال: قوم من أصحاب الحديث: إن وهبها منه قبل الترافع.. سقط القطع، وإن وهبها منه بعد الترافع.. لم يسقط القطع. وحكي ذلك عن أبي يوسف وابن أبي ليلى.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] [المائدة: 38] . وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «القطع في ربع دينار» . ولم يفرق بين أن يهبها منه أو لا يهبها. «ورُوِي: أن صفوان بن أمية نام في مسجد المدينة متوسدا رداءه، فسرقه رجل من تحته، فانتبه صفوان وصاح، وأخذ السارق وأتى به النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمر النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقطعه، فقال: صفوان: يا رسول الله، ما أردت هذا، هو عليه صدقة، فقال النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فهلا قبل أن تأتيني به" وقطعه» . فلو كانت الهبة تسقط القطع.. لنبه النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على إتمامها. وأمَّا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فهلا قبل أن تأتيني به» ففيه تأويلان:
أحدهما: أنه أراد: فهلا سترت عليه ولم تأتني به.
والثاني: أنه أراد: فهلا وهبت له قبل أن تأتيني به؛ فيسقط استيفاء القطع لسقوط المطالبة.
ولأنه ملك حدث بعد وجوب الحد، فلم يسقط الحد، كما لو زنَى بأمة ثم اشتراها.
إذا ثبت هذا: فذكر الشيخ أبُو إسحاق: أنه إذا وهبها بعد ما رفع إلى السلطان.. لم يسقط القطع. ولا يجوز أن يقال: إنه أراد: إذا وهبها منه قبل أن يرفع إلى السلطان.. يسقط القطع؛ لأنه لم يذكر ذلك، وليس لكلامه دليل خطاب، وإنما أراد به: أنه يسقط الاستيفاء، كما قال سائر أصحابنا.

[مسألة: إقرار السارق بدعوى من المسروق منه أو بدونها]
إذا ادعى رجل على رجل أنه سرق منه نصابا منه حرز مثله، فأقر المدعى عليه بذلك.. لزمه غرم النِّصَاب، والقطع بإقراره مرة. وبه قال مالك، وأبو حَنِيفَة، وأكثر أهل العلم.

الصفحة 482