كتاب بذل المجهود في إفحام اليهود ت طويلة

وأصحاب كفر. فلا يكون المسلمون على كل حال دون هذه المنزلة -أعني أن يساوى بينهم وبين بني العيص- فينبغي أن يأكلوا من مأكولات المسلمين، وأن يجعلوا للمسلمين تفضيلا بتوحيدهم وإيمانهم وكونهم لا يعبدون الأصنام.
فموسى -عليه السلام- إنما نهاهم عن مناكحة عباد الأصنام وأكل ما يذبحونه بأسمائهم. ولسنا نعرف أحدا من المسلمين يذبح ذبيحته باسم صنم ولا وثن. فما بال هؤلاء لا يأكون من ذبائح المسلمين؟! بل من سكن في الشام وبلاد العجم لا يأكلون من أيدي المسلمين اللبن والجبن والحلوى والخبز وغير ذلك من المأكولات.
فإن قالوا: لأن التوراة حرمت علينا أكل "الطريفا". قلنا: إن الطريفا هي الفريسة التي يفترسها الأسد أو الذئب أو غيره من السباع. ودليل ذلك قوله في التوراة: "وياسار ساذي طريفا لوثو خيلو الكيلب يسيليخوا واثوا". تفسيره: ولحما في الصحراء فريسة لا تأكلوا، للكلب ألقوه1.
فلما نظر أئمتهم أن التوراة غير ناطقة بتحريم مآكل الأمم عليهم إلا عباد الأصنام، وأن التوراة قد صرحت بأن تحريم مؤاكلتهم ومخالطتهم خيف منه استدراجهم بالمخالطة إلى مناكحتهم، إنما يكون لخوف اتباعهم والانتقال إلى أديانهم وعبادة أوثانهم. ووجدوا جميع هذا واضحا في التوراة، اختلقوا كتابا سموه "هلكت شحيطا" ومعناه: علم الذباحة. ووضعوا في هذا الكتاب من تشديد الإصر عليهم ما شغلوهم به عما هم فيه من الذل والمشقة. وذلك أنهم أمروهم بأن ينفخوا الرئة
__________
1 جاء في سفر اللاويين 17/ 15 - 16: وكل إنسان يأكل ميتة أو فريسة، وطنيا كان أو غريبا، يغسل ثيابه ويستحم بماء، ويبقى نجسا إلى المساء، ثم يكون طاهرا. وإن لم يغسل ولم يرحض جسده يحمل ذنبه.

الصفحة 189