كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

وأما ابن خزيمة فقد وصف أحاديث كتابه الصحيح، بقوله: "مختصر المختصر، من المسند الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنقل العدل عن العدل، موصولا إليه - صلى الله عليه وسلم - ... "، مما يدل على أن شروط الصحة في كتابه إنما تنطبق على الأحاديث المسندة والمرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان ينبّه في حال صحّ الإسناد عنده موقوفاً ولم يصح مرفوعا. (¬1)
وعلى نهج شيخه سار ابن حبان، فقد أشار إلى اعتماده للروايات المسندة المرفوعة في صحيحه بقوله في مقدمته: "كون الخبر عن مثل من وصفنا نعته بهذه الخصال الخمس؛
فيرويه عن مثله سماعا، حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (¬2)، بل جعل وصف المسند المرفوع من صفات الخبر المحتجّ به، فقال: "وأقل ما يثبت به خبر الخاصة حتى تقوم به الحجة على أهل العلم: هو خبر الواحد الثقة في دينه، ... عن الواحد مثله في الأحوال بالسنن وصفاتها، حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سماعاً متصلاً." (¬3)، فالمسند المرفوع مقدّم عنده على المرسل والموقوف (¬4).
¬_________
(¬1) من أمثلة ذلك في صحيح ابن خزيمة:
- فقد أخرج حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الهرة لا تقطع الصلاة، إنها من متاع البيت)) 2/ 20 ح (828 - 829).
- وأخرج حديثاً لعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، كان إذا رأى النساء قال: أخروهن حيث جعلهن الله ... ، وذلك تحت "باب ذكر بعض أحداث نساء بني إسرائيل الذي من أجله منعن المساجد" ثم قال: "الخبر موقوف غير مسند" 3/ 99 ح (1700).
- وعقّب بعد أن أخرج حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين: 3/ 299 ح (2120).
(¬2) ابن حبان، الصحيح، 1/ 113.
(¬3) ينظر: ابن حبان، المجروحين، 1/ 8.
(¬4) من أمثلة ذلك في صحيحه: فبعد أن أخرج ابن حبان حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت 7/ 420 ح (5162). فالرفع مقدم على الوقف، وإن كان كلاهما صحيحا؛ بل أن ذلك لا يمنع من أن يصحح غير المسند المرفوع، فبعد أن أخرج ابن حبان في صحيحه حديث أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا نكاح إلا بولي)). 6/ 202 ح (4071).

الصفحة 100