كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

تعريفات الصحيح إمّا صراحة أو ضمناً، ويكون اشتراط نفي التدليس من باب التأكيد على أهمية الاتصال، والتأكد من خلو السند من الانقطاع الظاهر أو الخفي.
فهذا القيد مُتضمَن في قيود الصحيح السابق ذكرها من حيث اشتراط الاتصال، واشتراط نفي العلل القادحة، فقد أشار مسلم في مقدمة صحيحه - وذلك في معرض حديثه عن الاحتجاج بالإسناد المعنعن- بأن نقاد الحديث من السلف لم يفتشوا عن موضع السماع في الأسانيد إلا إذا كان الراوي ممن عُرف بالتدليس في الحديث وشُهِر به، فقال: "وإنما كان
تَفقُّد من تفقَّد منهم سماع رواة الحديث ممن روى عنهم، إذا كان الراوي ممن عُرِف بالتدليس في الحديث، وشُهِر به، فحينئذ يبحثون عن سماعه في روايته، ويتفقدون ذلك منه كي تنزاح عنهم علة التدليس (¬1)." (¬2)
وكذلك كان ابن خزيمة يتوقّف في تصحيح بعض الأحاديث، ويُعِلُّها بتدليس بعض رواتها.
أمّا ابن حبّان فقد تشدّد في قبول رواية المدلّسين- ولو كانوا ثقات- إلا إذا صرّحوا بالسماع، ولم يستثن سوى سفيان بن عيينة (¬3)؛ لأنه عُرِف أنه لم يُدلِّس إلا عن ثقة. (¬4)
¬_________
(¬1) حقّق ابن رجب الحنبلي مسألة الحديث المعنعن وشروط قبوله، وذكر فيها مذاهب العلماء واختلافهم، وذلك في كتابه شرح علل الترمذي. يُنظر: ابن رجب، علل الترمذي، 2/ 585 - 599.
(¬2) مسلم، الصحيح، 1/ 32 - 33.
(¬3) سفيان بن عيينة بن أبى عمران أبو محمد الهلالي، مولاهم، الكوفي ثم المكي، قال عنه الذهبي: أحد الأعلام، ثقة ثبت حافظ إمام، وقال ابن حجر: "ثقة حافظ فقيه إمام حجة؛ إلا أنه تغير حفظه بأخرة وكان ربما دلس لكن عن الثقات، وكان أثبت الناس في عمرو بن دينار"، مات سنة 198 هـ. ينظر: الذهبي، الكاشف، 1/ 449 (2002)، ابن حجر، التقريب، 245 (2451).
(¬4) حيث قال في مقدمة صحيحه: "وأما المدلسون الذين هم ثقات وعدول فإنا لا نحتج بأخبارهم إلا ما بينوا السماع فيما رووا ـ مثل الثوري والأعمش وأبي إسحاق وأضرابهم من الأئمة المُتَّقين وأهل الورع في الدين ـ لأنا متى قبلنا خبر مدلس لم يُبيِّنِ السماع فيه ـ وإن كان ثقة ـ لَزِمَنا قبول المقاطيع والمراسيل كلها لأنه لا يدري لعل هذا المدلس دَلَّسَ هذا الخبر عن ضعيف يَهِي الخبر بذكره إذا عُرِفَ اللهم إلا أن يكون المدلس يعلم أنه ما دلَّس ـ قط ـ إلا عن ثقة فإذا كان كذلك قُبِلَتْ روايته وإن لم يبين السماع.
وهذا ليس في الدنيا إلا سفيان بن عيينة وحده فإنه كان يُدلِّسُ ولا يُدلِّسُ إلا عن ثقة متقن ولا يكاد يوجد لسفيان بن عيينة خبر دلس فيه إلا وجد الخبر بعينه قد بين سماعه عن ثقة مثلِ نفسه". يُنظر: ابن حبان، الصحيح، 1/ 121.

الصفحة 106