كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

فحكم رواية المُدلِّس تختلف باختلاف طبقته ومرتبته فمنهم من يُحتمل تدليسه، ومنهم من يُردّ، ومنهم من يُقبل تدليسه إذا صرّح بالسماع. (¬1)
وأمّا ما جاء في الصحيحين من روايات المدلسين فهي على النحو الآتي:
-إمّا أن يكونوا من أهل المرتبتين الأولى والثانية، فهؤلاء احتمل الأئمة تدليسهم.
- وأمّا أن يكونوا ممن اشترط الأئمة تصريحهم بالسماع لقبول مروياتهم، فما جاء في الصحيحين من رواية هؤلاء أُجيب عنه بأنه: "محمول على ثبوت السماع عندهم فيه من جهة أخرى، إذا كان في أحاديث الأصول لا المتابعات تحسينا للظن بمصنفيها." (¬2)
قال الحافظ ابن حجر في كتابه النكت: "فإنا نعلم في الجملة أن الشيخين لم يخرجا من رواية المدلسين بالعنعنة إلا ما تحققا أنه مسموع لهم من جهة أخرى". (¬3)، وزاد السيوطي
¬_________
(¬1) ذكر ابن رجب في شرحه لعلل الترمذي مذاهب العلماء في قبول رواية المُدلِّس أو ردها. ينظر: ابن رجب، علل الترمذي، 2/ 582 - 585، القريوتي، الإرسال والتدليس، 47 - 48.
(¬2) قاله السخاوي في فتح المغيث، وعقّب بقوله: " يعني ولو لم نقف نحن على ذلك لا في المستخرجات التي هي مظنة لكثير منه ولا في غيرها." ثم أردفه بقوله: "وأحسن من هذا كله قول القطب الحلبي في "القدح المعلى": " أكثر العلماء أن المعنعنات التي في الصحيحين مُنزَّلة مَنزِلة السماع"، يعني: إما لمجيئها من وجه آخر بالتصريح، أو لكون المعنعن لا يدلس إلا عن ثقة، أو عن بعض شيوخه، أو لوقوعها من جهة بعض النقاد المحققين سماع المعنعن لها." السخاوي، فتح المغيث، 1/ 232 - 233. ينظر كذلك: النووي، التقريب، 39، ابن الملقن، المقنع، 1/ 158، السيوطي، التدريب، 1/ 262 - 264.
(¬3) ابن حجر، النكت، 1/ 315. وقال في مقدمته لفتح الباري: "وأما دعوى الانقطاع فمدفوعة عمن أخرج لهم البخاري، لما عُلم من شرطه، ومع ذلك فحكم من ذُكر من رجاله بتدليس أو إرسال أن تُسبر أحاديثهم الموجودة عنده بالعنعنة، فإن وُجد التصريح فيها بالسماع اندفع الاعتراض، وإلا فلا." ابن حجر، هدي الساري، 385.
وقد قام الدكتور عواد الخلف في رسالته للدكتوراه بجمع جميع روايات المدلسين في صحيح البخاري 519.
وقد بيّن هذه الضوابط والاعتبارات في مقدمة بحثه، وذكر فيها ثلاثاً وثلاثين ضابطاً في قبول عنعنة المدلس فيما يخص روايات صحيح البخاري.
يُنظر: عوّاد الخلف، روايات المدلسين في صحيح البخاري جمعها- تخريجها- الكلام عليها، 26 - 33.

الصفحة 109