كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

تجمع بين عدالة الراوي وضبطه وإتقانه والشهرة فيهما، وهي شهرة تزيد على ما ذهب إليه ابن عبدالبر (¬1) في تعديله للرواة ممن عُرف بحمل العلم ومجالسة العلماء، ولم يُجرّح (¬2)، فمن اشترط في رواة الصحيح شهرتهم بالطلب إنما قيّدها بالضبط
والإتقان، بينما من عدّلهم ابن عبدالبر لشهرتهم بالطلب، تُوقِّف في أمر ضبطهم إلى أن يتبيّن حالهم بعد اختبار مروياتهم.
ويشير إلى قيد الإتقان مع الشهرة الخطيب البغدادي حين ذكر تفاوت الرواة في العلم، وحثّه طالب الحديث أن يتخيّر من شيوخه من اتصف بالشهرة في طلب الحديث المُشار إليه بالإتقان، فقال: "درجات الرواة لا تتساوى في العلم، فيقدم السماع ممن علا إسناده على ما ذكرنا، فإن تكافأت أسانيد جماعة من الشيوخ في العلو، وأراد الطالب أن يقتصر على السماع من بعضهم، فينبغي أن يتخيّر المشهور منهم بطلب الحديث، المشار إليه
¬_________
(¬1) يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبدالبر النمري القرطبي, أبو عمر. من كبار حفاظ الحديث, ومؤرخ وفقيه, وأديب. من مصنفاته: (التمهيد شرح الموطأ) و (الاستذكار) و (الاستيعاب في معرفة الأصحاب) وغيرها. مات سنة 463 هـ. ينظر: السيوطي، طبقات الحفاظ، 431. الزركلي، الأعلام, 8/ 240. كحالة, المؤلفين, 4/ 170 (18455).
(¬2) قال ابن عبدالبر: "كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبدا على العدالة حتى تتبين جرحته في حاله، أو في كثرة غلطه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) - أخرجه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الشهادات، باب: الرجل من أهل الفقه يسأل عن الرجل من أهل الحديث 10/ 353 ح (20911) ". قال السخاوي: "ونحوه قول ابن الموَّاق من المتأخرين: أهل العلم محمولون على العدالة، حتى يظهر منهم خلاف ذلك. وقال ابن الجزري: إن ما ذهب إليه ابن عبد البر هو الصواب وإن رده بعضهم، وسبقه المزي فقال: هو في زماننا مرضي، بل ربما يتعين.
ونحوه قول ابن سيد الناس: لست أراه إلا مرضيا، وكذا قال الذهبي: إنه حق، قال: ولا يدخل في ذلك المستور ; فإنه غير مشهور بالعناية بالعلم، فكل من اشتهر بين الحفاظ بأنه من أصحاب الحديث، وأنه معروف بالعناية بهذا الشأن، ثم كشفوا عن أخباره فما وجدوا فيه تليينا، ولا اتفق لهم علم بأن أحدا وثقه، فهذا الذي عناه الحافظ، وأنه يكون مقبول الحديث إلى أن يلوح فيه جرح".
أضاف فضيلة المناقش استدراكاً: "لكن ابن عبدالبر يُعلّ الأحاديث بالجهالة".
المراجع: ابن عبدالبر، التمهيد، 1/ 28، البيهقي، السنن الكبرى، 10/ 353، السخاوي، فتح المغيث، 2/ 20.

الصفحة 112