كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

على مشروطية الشهرة بالطلب بما أسنده (¬1) عن عبدالله بن عون (¬2) قال: (لا يؤخذ العلم إلا ممن شُهِد له عندنا بالطلب) (¬3). والظاهر من تصرف صاحبي الصحيح اعتبار ذلك.
إلا أنهما حيث يحصل للحديث طرق كثيرة يستغنون بذلك عن اعتبار ذلك - والله أعلم" (¬4).
وكلام ابن حجر يدل على أن الشيخين اعتبرا هذا الشرط - وهو: الشهرة بالطلب مع الثقة والإتقان- في روايات دون أخرى، فحيث كثرت طرق الحديث الموافقة لرواية الراوي دل على ضبطه وعنايته بالراوية، فيكون في غنىً عن هذا الشرط (¬5).
¬_________
(¬1) اطّلعت على طبعتين لتحقيق كتاب النكت للحافظ ابن حجر، وقد أشار كلا المحققين إلى أنهما لم يجدا هذا النص في طبعات كتاب علوم الحديث للحاكم. ينظر: ابن حجر، النكت، ط (الجامعة الإسلامية)، تحقيق: ربيع المدخلي، 1/ 238، وط (الميمان) بتحقيق: ماهر الفحل، 88.
(¬2) أبو عون عبدالله بن عون بن أرطبان المزني مولاهم البصري، الإمام الحافظ، شيخ أهل البصرة، قال الذهبي في التذكرة: لابن عون جلالة عجيبة ووقع في النفوس؛ لأنه كان إماما في العلم رأسا في التأله -أي: التعبد- والعبادة حافظا لأنفاسه. كبير الشأن. وقال ابن حجر: ثقة ثبت فاضل. مات سنة 151 هـ. ينظر: الذهبي، تذكرة الحفاظ، 1/ 118، ابن حجر، التقريب، 317.
(¬3) أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل. قال أبو زرعة: فسمعت أبا مسهر يقول: "إلا جليس العالم فإن ذلك طلبه". قال الخطيب: أراد أبو مسهر بهذا القول أن من عرفت مجالسته للعلماء وأخذه عنهم, أغنى ظهور ذلك من أمره أن يسأل عن حاله , والله أعلم. ينظر: ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل، 2/ 28، الخطيب البغدادي، الكفاية، 87.
(¬4) ابن حجر، النكت، 1/ 238 - 239.
(¬5) وليس كل رواة الصحيحين قد اشتهروا بالطلب، بل تتفاوت درجاتهم في الضبط والإتقان. يقول ابن حجر في مقدمته لفتح الباري: "ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان، مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته، ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما هذا إذا خرج له في الأصول، فإما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم ... ".
ونقل الترمذي في كتابه العلل الكبير قول البخاري: "كل رجل لا أعرف صحيح حديثه من سقيمه، لا أروي عنه ولا أكتب حديثه". ومعنى كلامه: أنه يروي عن الرجل الذي في حديثه الصحيح والسقيم، لكنه ينتقي منه الصحيح ويَدَع السقيم، هذا حال الإمام مسلم كذلك. المراجع: ينظر: الترمذي، العلل، 394، ابن حجر، هدي الساري، 384، عوّامة، منهج مسلم في الحديث المعلل، 66 - 67.
وقد سرد ابن حجر في هذه مقدمة فتح الباري أسماء من طُعن فيه من رواة الصحيح، وأجاب عن ذلك، وميّز من أخرج له البخاري في الأصول ممن أخرج له في المتابعات، ومن أمثلة من أخرج لهم في المتابعات:
"أحمد بن بشير الكوفي أبو بكر مولى عمرو بن حريث المخزومي، قال النسائي: ليس بذلك القوي، وقال عثمان الدارمي متروك وقواه بن معين وأبو زرعة وغيرهما أخرج له البخاري حديثا واحدا تابعه عليه مروان بن معاوية وأبو أسامة وهو في كتاب الطب، فأما تضعيف النسائي له فمشعر بأنه غير حافظ ... " 384 - 385.
- أحمد بن عاصم البلخي معروف بالزهد والعبادة له ترجمة في حلية الأولياء وقد ذكره ابن حبان في الثقات فقال روى عنه أهل بلده وقال أبو حاتم الرازي مجهول قلت روى عنه البخاري حديثا واحدا في كتاب الرقاق" 386.
- أحمد بن يزيد بن إبراهيم الحراني أبو الحسن المعروف بالورتنيس قال أبو حاتم ضعيف الحديث أدركته ولم أكتب عنه قلت روى له البخاري حديثا واحدا في علامات النبوة متابعة" 387، ... وغيرهم. ينظر: ابن حجر، هدي الساري، 384 - 456.

الصفحة 114