كتاب المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

بوصف الرواة عنه بالعدالة؛ بينما ابن حجر فسّرها بقوله: "زاد الحاكم في علوم الحديث في شرط الصحيح أن يكون راويه مشهورا بالطلب، وهذه الشهرة قدر زائد على مطلق الشهرة التي تخرجه من الجهالة" (¬1)، ولعله فهم ذلك من مجموع كلام الحاكم في كتبه؛ لأن وصف الشهرة بالإتقان لم يأت في كتاب المعرفة (¬2)؛ إنما ذكره الحاكم في كتابه "المدخل
إلى الإكليل" - وهو سابق في التأليف عن المعرفة (¬3) - حيث قسّم الصحيح إلى أقسام، وجعله على درجات أوّلها وأعلاها ما أخرجه الشيخان، وقد ذكر من أوصافهم الشهرة بالرواية فيما يخص الصحابي، والشهرة بالإتقان والثقة لمن هم دونه، بينما لم يأت ذكر الشهرة في الأقسام الأربعة التي تليها من المتفق على صحته، ولعل وصف الشهرة إنما كان للتأكيد على إتقان وتمام ضبط رواة الصحيحين مقارنة بغيرهم، والله أعلم.
وبتأمل ما سبق نستنتج أن للشهرة درجات:
فقد عقد الخطيب باباً -في كتابه الكفاية - في أن المحدث المشهور بالإمامة والعدالة والثقة والأمانة لا يحتاج إلى تزكية المُعِّدل، ومثّل لهم بعدد من الأئمة والحفاظ كالإمام مالك وأحمد بن حنبل وغيرهم فهؤلاء كما قال: "لا يُسأَل عن عدالتهم، وإنما يُسأَل عن عدالة من كان في عداد المجهولين، أو أشكل أمره على الطالبين" (¬4)، وهذه منزلة عالية من الشهرة في ميزان نقّاد الحديث، وتليها منازل أخرى كالشهرة بالطلب، والشهرة
¬_________
(¬1) ابن حجر، النكت، 1/ 238 - 239.
(¬2) لفظ الشهرة لم يأت في كتاب "معرفة علوم الحديث" - كما في المطبوع- إنما جاء في كتاب "المدخل إلى الإكليل" في الدرجة العليا من الصحيح فقط.
(¬3) أشار إلى ذلك محقق طبعة دار ابن حزم، ويُضاف إلى ذلك أن الحاكم أحال في أكثر من موضع في كتابه معرفة علوم الحديث على ما ذكره في كتاب الإكليل. ينظر: أحمد بن فارس السلوم، مقدمة تحقيقه لكتاب المدخل إلى معرفة كتاب الإكليل، 7، 32.
(¬4) الخطيب البغدادي، الكفاية، 87.

الصفحة 116